يتزوجها. وقد ذهب جمهور المفسرين من السلف والخلف إلى ما قدمنا من حمل اللفظ على معناه اللغوي، ويدل على هذا ما سيأتي من قوله - ذلك ليعلم أنى لم أخنه بالغيب -، وقوله - وما أبرئ نفسي إن النفس لأمارة بالسوء - ومجرد الهم لا ينافي العصمة، فإنها قد وقعت العصمة عن الوقوع في المعصية، وذلك المطلوب، وجواب لو في (لولا أن رأى برهان ربه) محذوف: أي لولا أن رأى برهان ربه لفعل ما هم به.
واختلف في هذا البرهان الذي رآه ما هو؟ فقيل إن زليخا قامت عند أن همت به وهم بها إلى صنم لها في زاوية البيت فسترته بثوب فقال: ما تصنعين؟ قالت: أستحي من إلهي هذا أن يراني على هذه الصورة، فقال يوسف:
أنا أولى أن أستحي من الله تعالى. وقيل إنه رأى في سقف البيت مكتوبا - ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة - الآية، وقيل رأى كفا مكتوب عليها - وإن عليكم لحافظين - وقيل إن البرهان هو تذكره عهد الله وميثاقه وما أخذه على عباده، وقيل نودي: يا يوسف أنت مكتوب في الأنبياء وتعمل عمل السفهاء؟ وقيل رأى صورة يعقوب على الجدار عاضا على أنملته يتوعده، وقيل غير ذلك مما يطول ذكره. والحاصل أنه رأى شيئا حال بينه وبين ما هم به قوله (كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء) الكاف نعت مصدر محذوف، والإشارة بذلك إلى الإراءة المدلول عليها بقوله (لولا أن رأى برهان ربه) أو إلى التثبيت المفهوم من ذلك: أي مثل تلك الإراءة أريناه، أو مثل ذلك التثبيت ثبتناه (لنصرف عنه السوء) أي كل ما يسوؤه، والفحشاء كل أمر مفرط القبح، وقيل السوء: الخيانة للعزيز في أهله، والفحشاء: الزنا، وقيل السوء: الشهوة، والفحشاء: المباشرة، وقيل السوء: الثناء القبيح.
والأولى الحمل على العموم فيدخل فيه ما يدل عليه السياق دخولا أوليا، وجملة (إنه من عبادنا المخلصين) تعليل لما قبله. قرأ ابن عامر وابن كثير وأبو عمرو " المخلصين " بكسر اللام. وقرأ الآخرون بفتحها، والمعنى على القراءة الأولى أن يوسف عليه السلام كان ممن أخلص طاعته لله، وعلى الثانية أنه كان ممن استخلصه الله للرسالة، وقد كان عليه السلام مخلصا مستخلصا (واستبقا الباب) أي تسابقا إليه، فحذف حرف الجر وأوصل الفعل بالمفعول، أو ضمن الفعل معنى فعل آخر يتعدى بنفسه كابتدرا الباب، وهذا الكلام متصل بقوله (ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه) وما بينهما اعتراض، ووجه تسابقهما أن يوسف يريد الفرار والخروج من الباب، وامرأة العزيز تريد أن تسبقه إليه لتمنعه، ووحد الباب هنا وجمعه فيما تقدم، لأن تسابقهما كان إلى الباب الذي يخلص منه إلى خارج الدار (وقدت قميصه من دبر) أي جذبت قميصه من ورائه فانشق إلى أسفله، والقد: القطع، وأكثر ما يستعمل فيما كان طولا، والقط بالطاء يستعمل فيما كان عرضا، وقع منها ذلك عند أن فر يوسف لما رأى برهان ربه فأرادت أن تمنعه من الخروج بجذبها لقميصه (وألفيا سيدها لدى الباب) أي وجدا العزيز هنالك، وعنى بالسيد: الزوج لأن القبط يسمون الزوج سيدا، وإنما لم يقل سيدهما، لأن ملكه ليوسف لم يكن صحيحا فلم يكن سيدا له، وجملة (قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءا) مستأنفة جواب سؤال مقدر كأنه قيل: فما كان منهما عند أن ألفيا سيدها لدى الباب، وما استفهامية، والمراد بالسوء هنا الزنا، قالت هذه المقالة طلبا منها للحيلة وللستر على نفسها، فنسبت ما كان منها إلى يوسف: أي جزاء يستحقه من فعل مثل فعل هذا، ثم أجابت عن استفهامها بقولها (إلا أن يسجن) أي ما جزاؤه إلا أن يسجن، ويحتمل أن تكون ما نافية: أي ليس جزاؤه إلا السجن أو العذاب الأليم، قيل والعذاب الأليم هو الضرب بالسياط، والظاهر أنه ما يصدق عليه العذاب الأليم من ضرب أو غيره، وفي الإبهام للعذاب زيادة تهويل، وجملة (قال هي راودتني عن نفسي) مستأنفة كالجملة الأولى. وقد تقدم بيان معنى المراودة: أي هي التي طلبت منى ذلك ولم أرد بها سوءا (وشهد شاهد من أهلها)