يدعوهم إلى أفعالهم الحسنة التي لها مدخل في استحقاق المدح والثواب عليها، لان القبائح يزجر عنها، ولا يدعو إليها، والمباح لا يدعو إلى فعله، لأنه عبث، وإنما يدعو إلى ما هو واجب أو ندب، لأنه يستحق بفعله المدح والثواب، والحكمة هي المعرفة بمراتب الافعال في الحسن والقبح والصلاح والفساد. وقيل لها: حكمة، لأنها بمنزلة المانع من الفساد، وما لا ينبغي أن يختار، والأصل المنع كما قال جرير:
أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم * إني أخاف عليكم أن أغضبا (1) أي امنعوهم من السفه، والفرق بين الحكمة والعقل: أن العاقل هو العاقد على ما يمنع من الفساد، والحكيم هو العارف بما يمنع من الفساد، الحكمة مشتركة بين المعرفة وبين العقل المستقيم، لان كل واحد منهما ممتنع من الفساد عار منه والقدير تعالى لم يزل حكيما بمعني لم يزل عالما، ولا يجوز لم يزل حكيما فيما يستحق لأجل الفعل المستقيم، وكل حكمة يكون بتركها مضيعا لحق النعمة يجب على المكلف طلبها. معرفة كانت أو فعلا. والموعظة الحسنة. معناه الوعظ الحسن وهو الصرف عن القبيح على وجه الترغيب في تركه والتزهيد في فعله. وفي ذلك تليين القلوب بما يوجب الخشوع. وقيل: ان الحكمة النبوة. والموعظة القرآن " وجادلهم بالتي هي أحسن " فالجدال فتل الخصم عن مذهبه بطريق الحجاج " بالتي هي أحسن " وفيه الرفق والوقار والسكينة مع نصرة الحق بالحجة. ثم أخبر " ان ربك " يا محمد " اعلم بمن ضل عن سبيله " بأن عدل عنها و " أعلم من غيره بمن اهتدى إليها وليس عليك غير الدعاء.
وقوله " وان عاقبتم فعاقبوا " قيل: في سبب نزول هذه الآية قولان:
أحدهما - ان المشركين لما مثلوا بقتلى أحد. قال المسلمون: متى أظهرنا الله عليهم لنمثلن بهم أعظم مما مثلوا بنا. ذكره الشعبي وقتادة وعطاء.