الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) (44) آيتان بلا خلاف.
هذا خطاب من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم يقول له إنا لم نرسل من قبلك إلا رجالا أمثالك من البشر " نوحي إليهم " أي يوحي الله إليهم. ومن قرأ بالنون، وهو حفص، أراد نوحي نحن، إخبار منه تعالى. ثم قال الله لهم " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " صحة ما أخبرناكم به من أنا أرسلنا رجالا قبلك وأوحينا إليهم. وقال ابن عباس ومجاهد: المعني بأهل الذكر أهل الكتاب ومنهم من قال: المراد من آمن من أهل الكتاب، ومنهم من قال: امر مشركي العرب ان يسألوا أهل الكتاب عن ذلك فإنهم لا يتهمونهم. وقال ابن زيد: يريد أهل القرآن لان الذكر هو القرآن. وقال الرماني والأزهري والزجاج: المعني بذلك أهل العلم بأخبار من مضى من الأمم، سواء كانوا مؤمنين أو كفارا، وما آتاهم من الرسل قال: وفي ذلك دلالة على أنه يحسن ان يرد الخصم - إذا التبس عليه امر - إلى أهل العلم بذلك الشئ إن كان من أهل العقول السليمة من آفة الشبه.
والذكر ضد السهو وسمي العلم بذلك، لأنه منعقد بالعلم، وهو بمنزلة السبب المؤدي إليه في ذكر الدليل، وإذا تعلق هذا التعلق حسن ان يقع موقعه وينبئ عن معناه.
وروى جابر عن أبي جعفر (ع) أنه قال: (نحن أهل الذكر).
وقوله " بالبينات والزبر " العامل بالباء أحد أمرين:
أحدهما - قوله " أرسلنا " والتقدير ما أرسلنا قبلك إلا رجالا بالبينات نوحي إليهم.
الثاني - أن يكون على حذف (أرسلنا بالبينات) كما قال الأعشى:
وليس مجيرا إن أتى الحي خائف * ولا قائل إلا هو المتعيبا (1)