قوله " وبالحق أنزلناه " يعني القرآن أنزله الله يأمر فيه بالعدل وبالانصاف، والأخلاق والجميلة والأمور الحسنة الحميدة، وينهي فيه من الظلم وأنواع القبائح والأخلاق الذميمة. " وبالحق نزل " معناه بما ذكرناه من فنون الحق نزل القرآن من عند الله على نبيه صلى الله عليه وسلم. قال البلخي: يجوز أن يكون أراد موسى، ويكون ذلك كقوله " وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد " (1) ويجوز أن يكون أراد الآيات فكنى عنها بالهاء وحدها، دون الهاء والألف، ويريد أنزلنا ذلك، كما قال أبو عبيدة قال أنشدني رؤبة:
فيه خطوط من سواد وبلق * كأنه في العين توليع البهق (2) فقلت له: إن أردت الخطوط فقل كأنها، وإن أردت السواد والبياض فقل كأنهما، قال: فقال لي: كأن ذلك وتلك.
ثم قال " وما أرسلناك " يا محمد " إلا مبشرا " للمطيعين بالجنة " ونذيرا " أي مخوفا للعصاة من النار.
وقوله " وقرآنا فرقنا " قرأه أهل الابصار بالتخفيف. وحكي عن ابن عباس بتشديد الراء، بمعنى نزلناه شيئا بعد شئ، آية بعد آية، وقصة بعد قصة. ومعنى " فرقناه " فصلنا فيه الحلال والحرام، وميزنا بينهما، وهو قول ابن عباس. وقال أبي بن كعب معناه بيناه. وقال الحسن وقتادة: فرق الله فيه بين الحق والباطل.
ومن قرأ بالتشديد، قال ابن عباس وقتادة وابن زيد: إن معناه أنزل متفرقا لم ينزل جميعا، وكان بين أوله وآخره نحو من عشرين سنة. ونصب " قرآنا " على معنى وأحكمنا قرآنا " فرقناه " أو آتيناك قرآنا. وقال بعضهم: نصب بمعنى ورحمة كأنه قال " وما أرسلناك إلا مبشرا ونذيرا " ورحمة، قال لان القرآن رحمة.
وقوله " لتقرأه على الناس على مكث " معناه على توئدة، فترتله وتبينه ولا تعجل