ولا مشير " وأنزل من السماء ماء " يعني غيثا ومطرا فأخرج بذلك الماء الثمرات رزقا لعباده، وسخر لهم المراكب في البحر لتجري بأمر الله، لأنها تسير بالرياح والله تعالى المنشئ للرياح " وسخر لكم الأنهار " التي تجري بالمياه التي ينزلها من السماء، ويجريها في الأودية، وينصب منها في الأنهار " وسخر لكم الشمس والقمر دائبين " معناه ذلل لكم الشمس والقمر ومهدهما لمنافعكم، وتدبير الله لما سخره للعباد ظاهر لكل عاقل متأمل لا يمكنه الانصراف عنه إلا على وجه المعاندة والمكابرة، ولدؤوب مرور الشئ في العمل على عادة جارية فيه دأب يدأب دأبا ودؤوبا فهو دائب، والمعنى دائبين، لا يفتران، في صلاح الخلق والنبات، ومنافعهم " وسخر لكم الليل والنهار " أي ذللهما لكم، ومهدهما لمنافعكم، لتسكنوا في الليل، وتبتغوا في النهار من فضله " وأتاكم من كل ما سألتموه " معناه ان الانسان قد يسأل الله العافية فيعطي، ويسأله النجاة فيعطي، ويسأله الغنى فيعطي، ويسأله الملك فيعطي، ويسأله الولد فيعطي، ويسأله العز وتيسير الأمور وشرح الصدر فيعطي، فهذا في الجملة حاصل في الدعاء لله تعالى ما لم يكن فيه مفسدة في الدين عليه وعلى غيره، فأين يذهب به مع هذه النعم التي لا تحصى كثرة، عن الله الذي هو في كل حال يحتاج إليه، وهو مظاهر بالنعم عليه.
ودخلت (من) للتبعيض، لأنه لو كان وآتاكم كل ما سألتموه لاقتضى ان جميع ما يسأله العبد يعطيه الله، والامر بخلافه، لان (من) تنبئ عنه.
وقال قوم: ليس من شئ الا وقد سأله بعض الناس، والتقدير كل ما سألتموه قد أتى بعضكم.
وقوله " وان تعدوا نعمة الله لا تحصوها " معناه وان تروموا عدها بقصدكم إليه لا تحصونها لكثرتها، ويروى عن طلق بن حبيب، أنه قال: ان حق الله اثقل من أن تقوم به العباد، وان نعم الله أكثر من أن تحصيها العباد، ولكن، أصبحوا تائبين، وأمسوا تائبين.
وقوله " ان الانسان لظلوم كفار " اخبار منه تعالى أن الانسان يعني من تقدم.
وصفه بالكفر كثير الظلم لنفسه ولغيره، وكفور لنعم الله غير مؤد لشكرها.