السيد في الاقبال بكون الكتاب إليهم بعد أن كتب إلى كسرى وقيصر بالجزية أو الحرب أو الإسلام وبعد أن بعث رسلا إلى القبائل، فعلى هذا يكون الكتاب إليهم سنة تسع أو بعدها أو قبلها بعد نزول آية الجزية على ما تقدم من الخلاف، فالكتاب إليهم كان في المدينة، فلا يبعد أن يكون سنة عشر بناء على ما استفدنا من الاتصال الزماني بين الكتابين وتصريح المؤرخين بكون كتاب الصلح سنة عشر هي سنة كتاب الدعوة أيضا، وما نقله البيهقي من أن الكتاب إليهم كان بمكة قبل نزول طس باطل من وجوه:
الأول: أن البيهقي ذكر أنهم لما قرأوا الكتاب فزعوا وارتاعوا فوفدوا وحضروا للمباهلة ثم امتنعوا عنها وقبلوا الجزية، وظاهره أنهم وفدوا عقيب القراءة، والمتفق عليه أنهم وفدوا سنة عشر. والحمل على أنهم قرأوا وفزعوا، فوفدوا بعد بضع وعشر سنين بعيد في الغاية، فظاهر كلام البيهقي نفسه يكذب ما ذكره أولا.
الثاني: أن فزع أهل نجران من كتاب النبي (صلى الله عليه وآله) لا يكون إلا في زمان يكون له القدرة الظاهرة من الجيش والسلاح، ولا يناسب كونه بمكة، إذ المسلمون وقتئذ كانوا في قلق شديد واضطهاد وتحت سيطرة المشركين، لا يأمنون على دمائهم وأموالهم وأهلهم، بل كانوا هاجروا إلى الحبشة أو بقوا يعذبون في حر الهجر أو في سلاسل وأغلال من حديد.
الثالث: أن في الكتاب: " فان أبيتم فالجزية " وطلب الجزية لا يناسب الشرائط الموجودة بمكة كما مر عدا أن آية الجزية نزلت في المدينة سنة تسع أو قريبا منها.
الرابع: أن في الكتاب " فإن أبيتم آذنتكم بحرب والايذان لم يكن مأذونا فيه بمكة، ولا يناسبها الجو والشرائط الموجودة فيها.