والرأي منهم فقال شرحبيل (بن وادعة) وكان ذا لب ورأي بنجران: قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرية إسماعيل من النبوة، فما يؤمنك أن يكون هذا الرجل، وليس لي في النبوة رأي، ولو كان أمر من أمور الدنيا أشرت عليك فيه وجهدت لك.
فبعث الأسقف إلى كل واحد واحد من أهل نجران، فتشاوروا، وكثر اللغط وطال الحوار والجدال، فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا وفدا يأتي رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيرجع بخبره، فوفدوا إليه في ستين راكبا وفيهم ثلاثة عشر رجلا من أشرافهم وذوي الرأي والحجى منهم، وثلاثة يتولون أمرهم: العاقب واسمه عبد المسيح أمير الوفد وصاحب مشورتهم الذي لا يصدرون إلا عن رأيه، والسيد واسمه الأيهم (كجعفر) وهو ثمالهم وصاحب رحلهم، وأبو حارثة بن علقمة (وفي الإقبال: أبو حارثة حصين بن علقمة) أسقفهم الأول وحبرهم وإمامهم وصاحب مدراسهم، وهو الأسقف الأعظم قد شرفه ملك الروم ومولوه، وبنوا له الكنائس وبسطوا له الكرامات لما بلغهم من علمه واجتهاده في دينه.
فلما توجهوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) جلس أبو حارثة على بغلة وإلى جنبه أخ له يقال له كرز قال: تعس الأبعد يريد محمدا (صلى الله عليه وآله) فقال له أبو حارثة: بل أنت تعست، فقال له: ولم يا أخ؟ فقال: والله إنه النبي الذي كنا ننتظره، فقال كرز: فما يمنعك وأنت تعلم هذا أن تتبعه؟ فقال: ما صنع بنا هؤلاء القوم شرفونا ومولونا وأكرمونا وقد أبوا إلا خلافه، ولو فعلت نزعوا كل ما ترى فاضمر عليه منه أخوه كرز حتى أسلم بعد ذلك، وكان كرز يرتجز ويقول:
إليك يغدو قلقا وضينها * معترضا في بطنها جنينها مخالفا دين النصارى دينها فجاءوا حتى دخلوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقت العصر، فدخلوا المسجد