وعليهم ثياب الحبرات وأردية الحرير مختمين بخواتيم الذهب وأظهروا الصليب، وأتوا رسول الله (صلى الله عليه وآله) فسلموا عليه، فلم يرد عليهم السلام ولم يكلمهم، فانطلقوا يبتغون عثمان بن عفان وعبد الرحمن بن عوف وكانا لهم معرفة بهم، فوجدوهما في مجلس من المهاجرين فقالوا: إن نبيكم كتب إلينا بكتاب فأقبلنا مجيبين له فأتيناه وسلمنا عليه فلم يرد سلامنا ولم يكلمنا فما الرأي؟ فقالا لعلي بن أبي طالب (عليه السلام): ما ترى يا أبا الحسن في هؤلاء القوم؟ قال: أرى أن يضعوا حللهم هذه وخواتيمهم ثم يعودون ففعلوا ذلك فسلموا عليه فرد عليهم سلامهم ثم قال: والذي بعثني بالحق لقد أتوني المرة الأولى وإن إبليس لمعهم.
وكانوا قد أتوا بهدية معهم وهي بسط فيها تماثيل ومسوح فصار الناس ينظرون للتماثيل فقال (صلى الله عليه وآله): أما هذه البسط فلا حاجة لي فيها، وأما هذه المسوح فإن تعطونيها آخذها، فقالوا: نعم نعطيكها، ولما رأى فقراء المسلمين ما عليه هؤلاء من الزينة والزي الحسن تشوقت نفوسهم فأنزل الله تعالى: * (قل أأنبئكم بخير من ذلكم للذين اتقوا) * (1).
ثم أرادوا أن يصلوا بالمسجد بعد أن حان وقت صلاتهم وذلك بعد العصر، فأراد الناس منعهم فقال النبي (صلى الله عليه وآله): دعوهم فاستقبلوا المشرق فصلوا صلاتهم، فلما قضوا صلاتهم ناظروه فعرض رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليهم الإسلام، فامتنعوا فكثر الكلام وطال الحوار والجدال وجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يتلو عليهم الآيات إلى أن نزل قوله تعالى: * (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) * (2) فرضوا بالمباهلة فقال أبو حارثة: انظروا من يخرج معه فخرج