أصلحك الله حدثني فإن حديثك أحب إلي من أن تقرأنيه في كتاب، فقال لي الثانية:
اسمع ما أقول لك، إذا كان غدا فالقني حتى أقرئكه في - كتاب واللفظ للكافي - فأتيته من الغد بعد الظهر - وكانت ساعتي التي كنت أخلو به فيها بين الظهر والعصر، وكنت أكره أن أسأله إلا خاليا خشية أن يفتيني من أجل من يحضرني بالتقية - فلما دخلت عليه أقبل على ابنه جعفر (عليه السلام) فقال: أقرئ زرارة صحيفة الفرائض، ثم قام لينام، فبقيت أنا وجعفر في البيت، فقام، فأخرج إلي صحيفة مثل فخذ البعير، فقال:
لست أقرئكها حتى تجعل لي عليك الله أن لا تحدث بما تقرأ فيها أحدا أبدا حتى آذن لك، ولم يقل حتى يأذن لك أبي، فقلت: أصلحك الله، ولم تضيق علي ولم يأمرك أبوك بذلك؟ فقال: ما أنت بناظر فيها إلا على ما قلت لك، فقلت: فذلك لك، وكنت رجلا عالما بالفرائض والوصايا بصيرا بها حاسبا لها ألبث الزمان أطلب شيئا يلقى علي من الفرائض والوصايا لا أعلمه، فلا أقدر عليه.
فلما ألقى إلي طرف الصحيفة إذا كتاب غليظ يعرف أنه من كتب الأولين، فنظرت فيها فإذا فيها خلاف ما بأيدي الناس من الصلة، والأمر بالمعروف الذي ليس فيه اختلاف، وإذا عامته كذلك، فقرأته حتى أتيت على آخره بخبث نفس وقلة تحفظ وإسقام رأى، وقلت - وأنا أقرأه: باطل، حتى أتيت على آخره، ثم أدرجتها ودفعتها إليه، فلما أصبحت لقيت أبا جعفر (عليه السلام)، فقال لي: أقرأت صحيفة الفرائض؟ فقلت: نعم، فقال: كيف رأيت ما قرأت؟ قال: قلت: باطل ليس بشئ هو خلاف ما الناس عليه.
قال: فإن الذي رأيت والله يا زرارة الحق، الذي رأيت إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخط علي (عليه السلام) بيده، فأتاني الشيطان فوسوس في صدري فقال: وما يدريه أنه إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخط علي (عليه السلام) بيده؟ فقال لي: قبل أن أنطق: يا زرارة لا تشكن، ود الشيطان والله أنك شككت، وكيف لا أدري أنه إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله)