والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك (1) مثل الذي تحب أن يعطيك من هو فوقك وفوقهم، والله ابتلاك بهم، وولاك أمرهم، وقد احتج عليك بما عرفك من محبة العدل والعفو والرحمة، فلا تستحقن (2) ترك محبته، ولا تنصبن نفسك لحربه، فإنه لا يدان لك بنقمته، ولا غناء بك عن عفوه ورحمته، ولا تعجلن بعقوبة، ولا تسرعن إلى بادرة، وجدت عنها مزحلا، ولا تقولن: إني أمير أصنع ما شئت، فإن ذلك يسرع في كسر العمل، وإذا أعجبك ما أنت فيه، وحدثت لك عظمته ودخلتك له أبهة أبطرتك، واستقذرتك على من تحتك، فاذكر عظم قدرة الله عليك، وتفكر في الموت وما بعده، فإن ذلك ينقض من زهوك، ويكف من مرحك، ويحقر في عينيك ما استعظمت من نفسك.
وإياك أن تباهي الله في عظمته، أو تضاحيه في جبروته أو تختال عليه في ملكه، فإن الله مذل كل جبار، ومهين كل مختال، أنصف الناس من نفسك، ومن أهلك ومن خاصتك، فإنك إن لم تفعل تظلم، ومن يظلم عباد الله فالله خصمه دون عباده ومن يكن الله خصمه فهو لله حرب حتى ينزع، وليس شئ أدعين لتغيير نعم الله، وتعجيل نقمه (3) من إقامة على ظلم، فإن الله يسمع دعوة كل مظلوم، وإن الله عدو للظالمين، ومن عاداه الله فهو رهين بالهلكة في الدنيا والآخرة.
وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق، وأجمعها لطاعة الرب، ورضى العامة، فإن سخط العامة يجحف برضى الخاصة، وإن سخط الخاصة يحتمل رضى العامة، وليس أحد من الرعية أشد على الوالي في الرضى مؤنة وأقل على البلاء معونة، وأشد بغضا للإنصاف، وأكثر سؤلا بالإلحاف، وأقل مع ذلك عند العطاء شكرا، وعند الإبطاء عذرا، وعند الملمات من الأمور صبرا من الخاصة.