وصالح الأخلاق ممن يبطئ عن الغضب، ويسرع إلى العذر، ويرأف بالضعيف (1)، ولا يلح على القوي ممن لا يسره العنف، ولا يقعد به الضعف، وألصق بذوي الفقه (2) والدين والسوابق الحسنة ثم بأهل الشجاعة منهم، فإنهم جماع للكرم، وشعبة من العز ودليل على حسن الظن بالله والإيمان به.
ثم تفقد من أمورهم ما يتفقده الوالد من ولده، ولا تعظمن في نفسك شيئا أعطيتهم إياه، ولا تحقرن لهم لطفا تلطفهم به، فإنه يرفق بهم كل ما كان منك إليهم وإن قل، ولا تدعن تفقد لطيف أمورهم اتكالا على نظرك في جسيمها، فإن للطيف موضعا ينتفع به، وللجسيم موضعا لا يستغني عنه، وليكونوا آثر رعيتك عندك، وأفضلهم منزلة منك، وأسبغ عليهم في التعاون، وأفضل عليهم في البذل ما يسعهم ويسع من وراءهم من أهاليهم حتى يكون همهم خالصا في جهاد عدوك، وتنقطع همومهم مما سوى ذلك، وأكثر إعلامهم ذات نفسك لهم من الإثرة والتكرمة وحسن الإرصاد وحقق ذلك بحسن الآثار فيهم، واعطف عليك قلوبهم باللطف، فإن أفضل قرة أعين الولاة استفاضة الأمن (3) في البلاد، وظهور مودة الأجناد، فإذا كانوا كذلك سلمت صدروهم وصحت بصائرهم، واشتدت حيطتهم من وراء أمرائهم.
ولا تكل جنودك إلى غنائمهم خاصة، أحدث لهم عند كل مغنم عطية من عندك تستضريهم بها، وتكون داعية لهم إلى مثلها، ولا حول ولا قوة الا بالله.
واخصص أهل الشجاعة والنجدة بكل عارفة، وامدد لهم أعينهم إلى صور عميقات ما عندهم بالبذل في حسن الثناء وكثرة المسألة عنهم رجلا رجلا، وما