معهم منه، وماذا بقي لمن بعدهم، واذكر حالك، وحال من تقدمك ممن كان في مثل حالك، وما جمع وكنز، هل بقيت له تلك الكنوز حين أراد الله نزعها منه، وهل ضرك إذا كنت لا كنز لك حين أراد الله صرف هذا الأمر إليك، فلا تر أن الكنوز تنفعك، ولا تثق بها ليومك مما تأمل نفعه في غدك، بل لتكن أخوف الأشياء عندك، وأوحشها لديك عاقبة.
وليكن أحب الكنوز لديك، وأوثقها عندك نفعا وعائدة الاستكثار من صالح الأعمال، واعتقاد صالح الآثار، فإنك إن تعمل هواك في ذلك وتصرفه عن غيره، يقل همك، ويطيب عيشك، وينعم بالك، ولتكن قرة عينك بالزهد وصالح الآثار أفضل من قرة عيون أهل الجمع بالجمع، عليك بالقصد فيما تنفق، ولا تعدن الاستكثار من جمع الحرام قوة، ولا كثرة الإعطاء من غير الحق جودا، فإن ذلك يجحف بعضه ببعض، ولكن القوة والجود أن تملك هواك وشح النفس بأخذ ما يحل لك، وسخاء النفس بإعطاء ما يحق عليك.
انتفع في ذلك بعلمك، واتعظ فيه بما قد رأيت من أمور غيرك، وخاصم نفسك عند كل أمر تورده وتصدره خصومة عامل للحق جهده، منصف لله، وللناس من نفسه غير موجب لها العذر حيث لا عذر، ولا منقاد للهوى في ورطات الردى، فإن عاجل الهوى لذيذ، وله غب وخيم ".
وفيه ذكر أمر الأمراء بالعدل في رعاياهم (1) والإنصاف من أنفسهم:
" أشعر قلبك الرحمة لرعيتك، والمحبة لهم، والتعطف عليهم، والإحسان إليهم، ولا تكونن عليهم سبعا، تغتنم زللهم وعثراتهم، فإنهم إخوانك في النسبة، ونظراؤك في الخلق، يفرط منهم الزلل، وتعترض لهم العلل، ويؤتى على أيديهم في العمد