يشمر لجحده بما قدر عليه من التلبيس والمخادعة والمكر والحيلة، ثم تصير المماراة له عادة وطبيعة، حتى لا يسمع كلاما إلا وتنبعث داعيته للاعتراض عليه، إظهارا للفضل واستنقاصا بالخصم وإن كان محقا، قاصدا إظهار نفسه لا إظهار الحق.
وقد تلونا عليك بعض ما في المراء من الذم، وما يترتب عليه من المفاسد، 1 وقد سوى الله تعالى بين من افترى على الله كذبا، وبين من كذب بالحق، فقال تعالى:
ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بالحق لما جاءه. 2 وهو كبر أيضا، لما تقدم 3 من أنه عبارة عن رد الحق على قائله، والمراء يستلزم ذلك، وروي عن أبي الدرداء وأبي أمامة وواثلة وأنس قالوا:
خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله يوما، ونحن نتمارى في شئ من أمر الدين، فغضب غضبا شديدا لم يغضب مثله، ثم قال: إنما هلك من كان قبلكم بهذا، ذروا المراء، فإن المؤمن لا يماري، ذروا المراء فإن المماري قد تمت خسارته، ذروا المراء فإن المماري لا أشفع له يوم القيامة، ذروا المراء، فأنا زعيم بثلاثة أبيات في الجنة: في رباضها [ظ: ربضها] وأوسطها وأعلاها، لمن ترك المراء وهو صادق، ذروا المراء فإن أول ما نهاني عنه ربي بعد عبادة الأوثان المراء. 5 وعنه صلى الله عليه وآله:
ثلاث من لقي الله عز وجل بهن دخل الجنة من أي باب شاء: من حسن خلقه.