ويطهر نفسه من مساوئ الأخلاق وذميم الأوصاف: من الحسد والرئاء والعجب واحتقار الناس، وإن كانوا دونه بدرجات، والغل والبغي والغضب لغير الله، والغش والبخل والخبث والبطر والطمع والفخر والخيلاء والتنافس في الدنيا والمباهاة بها والمداهنة والتزين للناس وحب المدح بما لم يفعل، والعمى عن عيوب النفس والاشتغال عنها بعيوب الناس، والحمية والعصبية لغير الله، والرغبة والرهبة لغيره، والغيبة والنميمة والبهتان والكذب والفحش في القول.
ولهذه الأوصاف تفصيل وأدوية وترغيب وترهيب، محرر في مواضع تخصه، والغرض من ذكرها هنا تنبيه العالم والمتعلم على أصولها، ليتنبه لها ارتكابا واجتنابا على الجملة، وهي وإن اشتركت بين الجميع، إلا أنها بهما أولى، فلذلك جعلناها من وظائفهما، لان العلم كما قال بعض الأكابر 1 عبادة القلب وعمارته وصلاة السر، وكما لا تصح الصلاة - التي هي وظيفة الجوارح - إلا بعد تطهيرها من الاحداث والأخباث، فكذلك لا تصح عبادة الباطن إلا بعد تطهيره من خبائث الأخلاق.
ونور العلم لا يقذفه الله تعالى في القلب المنجس بالكدورات النفسية والاخلاق الذميمة، كما قال الصادق عليه السلام:
ليس العلم بكثرة التعلم، وإنما هو نور يقذفه الله تعالى في قلب من يريد الله أن يهديه 2.
ونحوه قال ابن مسعود: ليس العلم بكثرة الرواية إنما العلم نور يقذف في القلب 3.
وبهذا يعلم أن العلم ليس هو مجرد استحضار المعلومات الخاصة، وإن كانت هي العلم في العرف العامي، وإنما هو النور المذكور الناشئ من ذلك العلم