الفم لدفع البخارات المنفخة في عضلات الفلك، وهو ينشأ من امتلاء المعدة وثقل البدن ا ه.
قلت: ولهذا السبب كان من الشيطان كما في حديث الصحيحين أنه (ص) قال: التثاؤب من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليكظم ما استطاع وفي رواية لمسلم فليمسك بيده على فيه، فإن الشيطان يدخله وألحق باليد الكم وهذا إذا لم يمكنه كظمه: أي رده وحبسه، فقد صرح في الخلاصة بأنه إن أمكنه عند التثاؤب أن يأخذ شفته بسنه فلم يفعل وغطى فاه بيده أو بثوبه يكره، كذا روي عن أبي حنيفة. قال في البحر: ووجهه أن تغطية الفم منهي عنها كما رواه أبو داود وغيره، وإنما أبيحت للضرورة، ولا ضرورة إذا أمكنه الدفع، ثم في المجتبى: يغطي فاه بيمينه، وقيل بيمينه في القيام وفي غيره بيساره ا ه.
قلت: ووجه القيل أظهر لأنه لدفع الشيطان كما مر، فهو كإزالة الخبث وهي باليسار أولى، لكن في حالة القيام لما كان يلزم من دفعه باليسار كثرة العمل بتحريك اليدين كانت اليمنى أولى، وقدمنا في آداب الصلاة عن الضياء أنه بظهر اليسرى. وفي الحلية عن بعضهم أنه مخير بينهما، وأنه إن سد باليمنى يخير فيه بظاهرها أو باطنها، وإن باليسرى فبظاهرها ا ه. ولم أر من تعرض للكراهة هنا هل هي تحريمية أو تنزيهية؟ إلا أنه تقدم في آداب الصلاة أنه يندب كظم فمه عند التثاؤب، وحينئذ فترك الكظم مندوب (1) وأما التثاؤب نفسه فإن نشأ من طبيعته بلا صنعه فلا بأس، وإن تعمده ينبغي أن يكره تحريما لأنه عبث، وقد مر أن العبث مكروه تحريما في الصلاة وتنزيها خارجها. قوله: (ولو خارجها) أي لاطلاق الحديث المار وتقييده في بعض الروايات بالصلاة لكون الكراهة فيها أشد، فلا تنافي بينهما. تأمل. قوله: (والأنبياء محفوظون منه) قدمنا في آداب الصلاة أن إخطار ذلك بباله مجرب في دفع التثاؤب. قوله: (للنهي) أي في حديث إذا قام أحدكم في الصلاة فلا يغمض عينيه رواه ابن عدي، إلا أن في سنده من ضعف، وعلل في البدائع بأن السنة أن يرمي ببصره إلى موضع سجوده، وفي التغميض تركها. ثم الظاهر أن الكراهة تنزيهية، كذا في الحلية والبحر، وكأنه لأن علة النهي ما مر عن البدائع، وهي الصارف له عن التحريم، قوله: (إلا لكمال الخشوع) بأن فات فوت الخشوع بسبب رؤية ما يفرق الخاطر فلا يكره، بل قال بعض العلماء: إنه الأولى، وليس ببعيد.
حلية وبحر. قوله: (لان العبرة للقدم) ولهذا تشترط طهارة مكانه رواية واحدة بخلاف مكان السجود، إذ فيه روايتان، وكذا لو حلف لا يدخل دار فلان يحنث بوضع القدمين وإن كان باقي بدنه خارجها، والصيد إذا كان رجلاه في الحرم ورأسه خارجه فهو صيد الحرم ففيه الجزاء. بحر. قوله: (مطلقا) راجع إلى قوله: وقيام الامام في المحراب وفسر الاطلاق بما بعده وكذا سواء كان المحراب من المسجد كما هو العادة المستمرة أو لا كما في البحر. قوله: (إن علل بالتشبه الخ) قيد للكراهة.
وحاصله أنه صرح محمد في الجامع الصغير بالكراهة ولم يفصل، فاختلف المشايخ في سببها:
فقيل كونه يصير ممتازا عنهم في المكان لان المحراب في معنى بيت آخر وذلك صنيع أهل الكتاب،