وليس كذلك، بل فقد وقت الفجر أيضا، لان ابتداء وقت الصبح طلوع الفجر، وطلوع الفجر يستدعي سبق الظلام ولا ظلام مع بقاء الشفق، أفاده ح.
أقول: الخلاف المنقول بين مشايخ المذهب إنما هو في وجوب العشاء والوتر فقط، ولم نر أحدا منهم تعرض لقضاء الفجر في هذه الصورة، وإنما الواقع في كلامهم تسميته فجرا لان الفجر عندهم اسم للبياض المنتشر في الأفق موافقا للحديث الصحيح كما مر بلا تقييد بسبق ظلام. على أنا لا نسلم عدم الظلام هنا، ثم رأيت ط ذكر نحوه. قوله: (في أربعينية الشتاء) صوابه في أربعينة الصيف كما في الباقاني، وعبارة البحر وغيره: في أقصر ليالي السنة، وإتمامه في ح. وقول النهر:
في أقصر أيام السنة سبق قلم، وهو الذي أوقع الشارح. قوله: (فيقدر لهما) هذا موجود في نسخ المتن المجردة ساقط من المنح، ولم أر من سبقه إليه سوى صاحب الفيض حيث قال: ولو كانوا في بلدة يطلع فيها الفجر قبل غيبوبة الشفق لا يجب عليهم صلاة العشاء لعدم السبب، وقيل يجب ويقدر الوقت ا ه. بقي الكلام في معنى التقدير، والذي يظهر من عبارة الفيض أن المراد أنه يجب قضاء العشاء، بأن يقدر أن الوقت: أعني سبب الوجوب قد وجد كما يقدر وجوده في أيام الدجال على ما يأتي لأنه لا يجب بدون السبب، فيكون قوله: ويقدر الوقت، جوابا عن قوله في الأول: لعدم السبب.
وحاصله أنا لا نسلم لزوم وجود السبب حقيقة بل يكفي تقديره كما في أيام الدجال. ويحتمل أن المراد بالتقدير المذكور هو ما قاله الشافعية من أنه يكون وقت العشاء في حقهم بقدر ما يغيب فيه الشفق في أقرب البلاد إليهم، والمعنى الأول أظهر، كما يظهر لك من كلام الفتح الآتي حيث ألحق هذه المسألة بمسألة أيام الدجال، ولأن هذه المسألة نقلوا فيها الاختلاف بين ثلاثة من مشايخنا وهم البقالي والحلواني والبرهان الكبير، فأفتى البقالي بعدم الوجوب، وكان الحلواني يفتي بوجوب القضاء، ثم وافق البقالي لما أرسل إليه الحلواني من يسأله عمن أسقط صلاة من الخمس أيكفر؟
فأجاب السائل بقوله: من قطعت يداه أو رجلاه كم فروض وضوئه فقال له: ثلاث لفوات المحل، قال فكذلك الصلاة، فبلغ الحلواني ذلك فاستحسنه ورجع إلى قول البقالي بعدم الوجوب. وأما البرهان الكبير فقال بالوجوب، لكن قال في الظهيرية غيرها: لا ينوي القضاء في الصحيح لفقد وقت الأداء. واعترضه الزيلعي بأن الوجوب بدون السبب لا يعقل، وبأنه إذا لم ينو القضاء يكون أداء ضرورة، وهو: أي الأداء فرض الوقت ولم يقل به أحد، إذ لا يبقى وقت العشاء بعد طلوع الفجر إجماعا ا ه، وأيضا فإن من جملة بلادهم ما يطلع فيها الفجر كما غربت الشمس، كما في الزيلعي وغيره، فلم يوجد وقت قبل الفجر يمكن فيه الأداء.
إذا علمت ذلك ظهر لك أن من قال بالوجوب يقول به على سبيل القضاء لا الأداء، ولو كان الاعتبار بأقرب البلاد إليهم لزم أن يكون الوقت الذي اعتبرناه لهم وقت للعشاء حقيقة بحيث تكون العشاء فيه أداء، مع أن القائلين عندنا بالوجوب صرحوا بأنها قضاء وبفقد وقت الأداء، وأيضا لو فرض أن فجرهم يطلع بقدر ما يغيب الشفق في أقرب البلاد، إليهم لزم اتحاد وقتي العشاء والصبح في حقهم، أو أن الصبح لا يدخل بطلوع الفجر.
إن قلنا: إن الوقت للعشاء فقط ولزم أن تكون العشاء نهارية لا يدخل وقتها إلا بعد طلوع الفجر، وقد يؤدي أيضا إلى أن الصبح إنما يدخل وقته بعد طلوع شمسهم وكل ذلك لا يعقل، فتعين ما قلنا في