سلمناه، ولا يفيدك لعدم بعض ذلك في حق من ذكر، وإن أردت أنه عام لكل فرد من أفراد المكلفين في كل فرد من أفراد الأيام مطلقا فهو ظاهر البطلان فإن الحائض لو طهرت بعد طلوع الشمس لم يكن الواجب عليها في ذلك اليوم إلا أربع صلوات، وبعد خروج وقت الظهر لم يجب عليها في ذلك اليوم إلا ثلاث صلوات وهكذا، ولم يقل أحد إنه إذا طهرت في بعض اليوم أو في أكثره مثلا يجب عليها تمام صلوات اليوم والليلة لأجل أن الصلوات فرضت على كل مكلف.
فإن قلت: تخلف الوجوب في حقها لفقد شرطه وهو الطهارة من الحيض. قلنا لك: كذلك تخلف الوجوب في حق هؤلاء لفقد شرطه وسببه وهو الوقت، وأظهر من ذلك الكافر إذا أسلم بعد فوات وقت أو أكثر من اليوم مع أن عدم الشرط وهو الاسلام في حقه مضاف إليه لتقصيره بخلاف هؤلاء، ولم يقل أحد يجب عليه تمام صلوات ذلك اليوم لافتراض الصلوات خمسا على كل مكلف في كل يوم وليلة، والقياس على ما في حديث الدجال غير صحيح لأنه لا مدخل للقياس في وضع الأسباب، ولئن سلم فإنما هو فيما لا يكون على خلاف القياس، والحديث ورد على خلاف القياس، فقد نقل الشيخ أكمل الدين في شرح المشارق عن القاضي عياض أنه قال: هذا حكم مخصوص بذلك الزمان شرعه لنا صاحب الشرع، ولو وكلنا فيه لإجتهادنا لكانت الصلاة فيه عند الأوقات المعروفة واكتفينا بالصلوات الخمس ا ه. ولئن سلم القياس فلا بد من المساواة، ولا مساواة، فإن ما نحن فيه لم يوجد زمان يقدر للعشاء فيه وقت خاص. والمفاد من الحديث أنه يقدر لكل صلاة وقت خاص بها ليس هو وقتا لصلاة أخرى، بل لا يدخل وقت ما بعدها قبل مضي وقتها المقدر لها، وإذا مضى صارت قضاء كما في سائر الأيام، فكأن الزوال وصيرورة الظل مثلا أو مثلين وغروب الشمس وغيبوبة الشفق وطلوع الفجر موجودة في أجزاء ذلك الزمان تقديرا بحكم الشرع، ولا كذلك هنا، إذ الزمان الموجود إما وقت للمغرب في حقهم أو وقت للفجر بالاجماع فكيف يصح القياس؟ وعلم بما ذكرنا عدم الفرق بين من قطعت يداه أو رجلاه من المرفقين والكعبين وبين هذه المسألة كما ذكره البقالي، ولذا سلمه الامام الحلواني ورجع إليه مع أنه الخصم فيه إنصافا منه، وذلك لان الغسل سقط ثم لعدم شرطه لان المحال شروط، فكذا هنا سقطت الصلاة لعدم شرطها بل وسببها أيضا، وكما لم يقم هناك دليل بجعل ما وراء المرفق إلى الإبط وما فوق الكعب بمقدار القدم خلفا عنه في وجوب الغسل، كذلك لم يرد دليل يجعل جزءا من وقت المغرب أو من وقت الفجر أو منهما خلفا عن وقت العشاء، وكما أن الصلوات خمس بالاجماع على المكلفين، كذا فرائض الوضوء على المكلفين لا تنقص عن أربع بالاجماع، لكن لا بد من وجود جميع أسباب الوجوب وشرائطه في جميع ذلك، فليتأمل المنصف، والله سبحانه وتعالى الموفق ا ه. كلام البرهان الحلبي. وقد كر عليه الفاضل المحشي بالنقض.
وانتصر للمحقق بما يطول، فمن جملة ذلك أنه قال: إن ما فعلناه ليس من باب القياس بل من باب الالحاق دلالة، وقول البرهان الحلبي: إن ما نحن فيه لم يوجد زمان يقدر للعشاء فيه وقت خاص ممنوع، وذلك لان من يقدر يجعل لكل صلاة وقتا يختص بها لا يشاركها فيه غيرها ا ه.
أقول: لا يخفى أن القائلين بالوجوب عندنا لم يجعلوا لتلك الصلاة وقتا خاصا بها بحيث يكون فعلها فيه أداء وخارجها (1) قضاء كما هو في أيام الدجال، لان الحلواني قال بوجوبها قضاء،