ثانيهما: أنه غير قيد وإنما هو تمثيل للتقليل، فيعفى عنه سواء كان مقدار رأسها من جانب الخرز أو من جانب الثقب، ومثله ما كان كرأس المسلة. وقد علمت أنه في الكافي اختار القول الثاني، ولكن ظاهر المتون والشروح اختيار الأول لان العلة الضرورة قياسا على ما عمت به البلوى مما على أرجل الذناب فإنه يقع على النجاسة ثم يقع على الثياب. قال في النهاية ولا يستطاع الاحتراز عنه، ولا يستحسن لاحد استعداد ثوب لدخول الخلاء. وروي أن محمد بن علي زين العابدين تكلف لبيت الخلاء ثوبا ثم تركه، وقال: لم يتكلف لهذا من هو خير مني: يعني رسول الله (ص والخلفاء رضي الله عنهم ا ه.
وقد يقال: إن قول المتون كرؤوس الأبر اتباع لعبارة محمد لا للاحتراز عن الجانب الآخر، ولذا لم يجعله للاحتراز إلا الهندواني، وخالفه غيره من المشايخ معللين بدفع الحرج، ولا شك في وجود الحرج في ذلك، فلذا اختاره في الكافي اتباعا لما عليه أكثر المشايخ. وقال في متن مواهب الرحمن: وعفي عن رشاش بول كرؤوس الأبر، وقيل يعتبره: أي أبو يوسف إن رئي أثره، فأفاد بقيل ضعف اعتبار ما يدركه الطرف وهو رواية المعلى السابقة، وقد ظهر مما قررناه أن الخلاف فيما يرى أثره وهو ما يدركه الطرف، وأن الأرجح العفو عنه وعدم اعتباره كما مشى عليه الشارح، وظهر أن المراد به ما كان مثل رأس الإبرة من الجانب الآخر لا أكبر من ذلك. وظهر أيضا أن ما لا يدركه الطرف بما كان مثل رؤوس الأبر وأرجل الذباب فإنه لا يدركه الطرف المعتدل ما لم يقرب إليه جدا: أي مع مغايرة لون الرشاش للون الثوب، وإلا فقد لا يرى أصلا. وينبغي أنه لو شك أنه يدركه بالطرف أم لا أنه يعفى عنه اتفاقا، لان الأصل طهارة الثوب وشك فيما ينجسه، وهذا ما ظهر لي في هذا المحل، والله أعلم. قوله: (نجسه في الأصل) قال في الحلية: ثم لو وقع هذا الثوب المنتضح عليه البول مثل رؤوس الأبر في الماء القليل هل ينجس؟ ففي الخلاصة عن أبي جعفر: لقائل أن يقول ينجس ولقائل أن يقول لا ينجس، وهذا فرع مسألة الاستنجاء: يعني لو استنجى بغير الماء ثم ابتل ذلك الموضع ثم أصاب من ذلك ثوبه أو بدنه، فالمختار أنه يتنجس إن كان أكثر من قدر الدرهم ا ه. ثم ذكر في الحلية عن الكفاية ما يفيد أن الكلام فيما يرى أثره، ثم قال: وهو المتجه ا ه. ويدل عليه ما قدمناه من اختيار أكثر المشايخ عدم اعتبار رؤوس الأبر من الجانبين خلافا للهندواني. وقول الخلاصة المار: المختار أنه ينجس إن كان أكثر من قدر الدرهم غير ظاهر، لأن الماء ينجسه ما قل وكثر، فإذا لم ينجس بأقل من الدرهم لا ينجس بالأكثر منه.
ثم اعلم أن وقوع الرشاش في الماء ابتداء مثل وقوع هذا الثوب فيه كما في السراج وغيره، و هذا، وفي القهستاني عن التمرتاشي إن استبان أثره على الثوب بأن تدركه العين أو على الماء بأن ينفرج أو يتحرك فلا عبرة به، وعن الشيخين أنه معتبر ا ه. وظاهره أن المعتمد عدم اعتبار ما ظهر أثره في الثوب والماء، وفي ذلك تأييد لما قدمناه، فافهم. قوله: (جوهرة) ومثله في القهستاني، وقدمناه عن الفيض أيضا خلافا لما مشى عليه المصنف تبعا للدرر في فصل البئر، فافهم، نعم يؤيده ما نقله القهستاني آنفا عن التمرتاشي، والله أعلم. قوله: (لو اتصل وانبسط) أي ما يصيب الثوب مثل رؤوس الأبر كما هو عبارة القنية ونقلها في البحر، فافهم. قوله: (ينبغي أن يكون كالدهن الخ) أي