واستوجهه في البحر أيضا وكذا في النهر. قال: والمراد بالسنة المؤكدة لاطلاق النهي عن الاسراف، وجعل في المنتقى الاسراف من المنهيات، فتكون تحريمية، لان إطلاق الكراهة مصروف إلى التحريم وبه يضعف جعله مندوبا.
أقول: قد تقدم أن النهي عنه في حديث: فمن زاد على هذا أو نقص فقد تعدى وظلم محمول على الاعتقاد عندنا كما صرح به في الهداية وغيرها. وقال في البدائع: إنه الصحيح، حتى لو زاد أو نقص واعتقد أن الثلاث سنة لا يلحقه الوعيد، وقدمنا أنه صريح في عدم كراهة ذلك: يعني كراهة تحريم، فلا ينافي الكراهة التنزيهية، فما مشى عليه هنا في الفتح والبدائع وغيرهما من جعل تركه مندوبا مبني على ذلك التصحيح فيكره تنزيها، ولا ينافيه عده من المنهيات كما عد منها لطم الوجه بالماء، فإن المكروه تنزيها منهي عنه حقيقة اصطلاحا ومجازا لغة كما في التحرير. وأيضا فقد عده في الخزانة السمرقندية من المنهيات لكن قيده بعدم اعتقاد تمام السنة بالثلاث كما نقله الشيخ إسماعيل، وعليه يحمل قول من جعل تركه سنة، وليست الكراهة مصروفة إلى التحريم مطلقا كما ذكرناه آنفا، على أن الصارف للنهي عن التحريم ظاهر، فإن من أسراف في الوضوء بماء النهر مثلا مع عدم اعتقاد سنية ذلك، نظير من ملا إناء من النهر ثم أفرغه فيه، وليس في ذلك محذور سوى أنه عبث لا فائدة فيه، وهو في الوضوء زائد على المأمور به فلذا سمي في الحديث إسرافا.
قال في القاموس: الاسراف التبذير أو ما أنفق في غير طاعة، ولا يلزم كونه زائدا على المأمور به وغير طاعة أن يكون حراما، نعم إذا اعتقد سنيته يكون قد تعدى وظلم لاعتقاده ما ليس بقربة قربة، فلذا حمل علماؤنا النهي على ذلك، فحينئذ يكون منهيا عنه ويكون تركه سنة مؤكدة، ويؤيده ما قدمه الشارح عن الجواهر من أن الاسراف في الماء الجاري جائز لأنه غير مضيع، وقدمنا أن الجائز قد يطلق على ما لا يمتنع شرعا فيشمل المكروه تنزيها، وبهذا التقرير تتوافق عباراتهم. وأما ما ذكره الشارح هنا فقد علمت أنه ليس من كلام مشايخ المذهب فلا يعارض ما صرحوا به وصححوه، هذا ما ظهر لي في هذا المقام والسلام. قوله: (فحرام) لان الزيادة غير مأذون بها، لأنه إنما يوقف ويساق لمن يتوضأ الوضوء الشرعي ولم يقصد إباحتها لغير ذلك، حلية. وينبغي تقييده بماء ليس بجار كالذي في صهريج أو حوض أو نحو إبريق، أما الجاري كماء مدارس دمشق وجوامعها فهو من المباح كماء النهر كما أفاده الرحمتي. قوله: (ومن منهياته) يشمل المكروه تنزيها فإنه منهي عنه اصطلاحا حقيقة كما قدمناه عن التحرير آنفا، فافهم. قوله: (التوضؤ الخ) قال في السراج: ولا يجوز للرجل أن يتوضأ ويغتسل بفضل المرأة ا ه. ومفاده أنه يكره تحريما. وعند الإمام أحمد: إذا اختلت امرأة مكلفة بماء قليل كخلوة نكاح وتطهرت به في خلوتها طهارة كاملة عن حدث لا يصح لرجل أو خنثى أن يرفع به حدثه كما هو مسطور في متون مذهبه، وهو أمر تعبدي، لما رواه الخمسة: أنه (ص) نهى أن يتوضأ الرجل بفضل طهور المرأة قال في (غر الأفكار شرح درر