اصبر على كيد الحسود * فإن صبرك يقتله النار تأكل بعضها * إن لم تجد ما تأكله قوله: (وما أنا الخ) البيت من المنظومة الوهبانية، قال شارحها العلامة عبد البر بن الشحنة:
لكيد الخديعة والمكر، والحسود فعول من الحسد فيه مبالغة في معنى الحاسد. والامن: المطمئن، ولا جاهل عطف على الحسود: يعني، ولا من كيد جاهل، ويزري بفتح التحتية من زرى عليه: إذا عابه واستهزأ به وأنكر عليه ولم يعده شيئا أو تهاون به، ويجوز ضمها من أزرى. قال في القاموس:
لكنه قليل وتزري وأزرى بأخيه: أدخل عليه عيبا أو أمرا يريد أن يلبس عليه به. ولا يتدبر عطف عليه: أي لا يتفكر في عواقب الأمور. وسبب هذا البيت أنه ابتلى بما ابتليت به من حسد الحاسدين وكيد المعاندين، والله المسؤول أن يجعل كيدهم في نحرهم، فبعضهم استكثره عليه، والبعض قال: إنه مسبوق إليه اه. ملخصا. قوله: (هم يحسدوني) أصله يحسدونني حذفت إحدى النونين تخفيفا اه. ح. وشر أفعل تفضيل حذفت همزته لكثرة الاستعمال كما حذفت من خير وإثباتها لغة قليلة أو رديئة كما في القاموس، وكلهم بالجر تأكيد للناس لإفادة الشمول.
ولا يقال الكافر شر ممن لم يحسد، فكيف يكون من لم يحسد شرا منه؟ لأنا نقول: هو من جملة من لم يحسد، بل ليس له ما يحسد عليه، لقوله تعالى: (أيحسبون أنما نمدهم به) [المؤمنون: 55] الآية، فافهم. وفي الناس بمعنى معهم، ويوما ظرف لعاش وغيره بالنصب حال. وقد أوتي الشارح بهذا البيت تبعا لابن الشحنة تسلية للنفس، فإن الحسد لا يكون إلا لذوي الكمال المتصفين بأكمل الخصال، وفي معناه ما ينسب إلى علي كرم الله وجهه إن يحسدوني فإني غير لائمهم * قبلي من الناس أهل الفضل قد حسدوا فدام بي وبهم ما بي وما بهم * ومات أكثرنا غيظا بما يجد قوله: (إذ لا يسود) أي لا يصير ذا سؤدد وفخار، وأصله يسود كينصر، نقلت حركت الواو إلى الساكن قبلها فسكنت الواو، وهذا علة لمفهوم وشر الناس، لأنه إذا كان شر الناس من لم يحسد نتج أن خيرهم من يحسد، وإنما كان ذلك سببا في سيادته، لان المدح يترتب عليه الرياسة والسؤدد والقدح فيه يترتب عليه الحلم والتحمل والصفح، وذلك في السيادة أيضا. اه. ط.
قلت: والحسود أيضا سبب في السيادة من حيث إنه سبب لنشر ما انطوى من الفضائل، كما قال القائل:
وإذا أراد الله نشر فضيلة * طويت أتاح لها لسان حسود قوله: (سيد) أصله سيود اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت في الياء، قيل إنه لا يطلق إلا على الله تعالى، لما روي (أنه عليه الصلاة والسلام لما قالوا