النبي صلى الله عليه وسلم أباح للناس من فعل هذه الأنواع الثلاثة ليدل على جواز جمعها إذ لو أمر بواحد لكان غيره يظن أنه لا يجزئ فأضيف الجميع إليه وأخبر كل واحد بما أمره به وأباحه له ونسبه إلى النبي صلى الله عليه وسلم اما لامره به وإما لتأويله عليه (وأما) إحرامه صلى الله عليه وسلم بنفسه فأخذنا الأفضل فأحرم مفردا بالحج وبه تظاهرت الروايات الصحيحة وأما الروايات بأنه كان متمتعا فمعناها أمر به وأما الروايات بأنه كان قارنا فأخبار عن حالته الثانية لا عن ابتداء إحرامه بل إخبار عن حاله حين أمر أصحابه بالتحلل من حجهم وقلبه إلى عمرة لمخالفة الجاهلية إلا من كان معه هدى فكان هو صلى الله عليه وسلم ومن معه في الهدى في آخر إحرامهم قارنين بمعني انهم أردفوا الحج بالعمرة وفعل ذلك مواساة لأصحابه وتأنيسا لهم في فعلها في أشهر الحج لكونها كانت منكرة عندهم في أشهر الحج ولم يمكنه التحلل معهم لسبب الهدى واعتذر إليهم بذلك في ترك مواساتهم فصار صلى الله عليه وسلم قارنا في آخر أمره وقد اتفق جمهور العملاء على جواز ادخال الحج على العمرة وشذ بعض الناس فمنعه وقال لا يدخل إحرام على إحرام كما لا يدخل صلاة على صلاة واختلفوا في إدخال العمرة على الحج فجوزه أصحاب الرأي وهو قول الشافعي لهذه الأحاديث ومنعه آخرون وجعلوا هذا خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم لضرورة الاعتمار حينئذ في أشهر الحج قال وكذلك يتأول قول من كان متمتعا أي تمتع بفعله العمرة في أشهر الحج وفعلها مع الحج لان لفظ المتعة يلق على معان فانتظمت الأحاديث واتفقت * قال ولا يبعد رد ما ورد عن الصحابة من فعل مثل ذلك إلى مثل هذا مع الروايات الصحيحة انهم أحرموا بالحج مفردا فيكون الافراد اخبارا عن فعلهم أولا والقران إخبارا عن أحرام الذين معهم هدى بالعمرة ثانيا والتمتع لفسخهم الحج إلى العمرة ثم إهلالهم بالحج بعد التحلل منها كما فعله كل من لم يكن معه هدى قال القاضي وقد قال بعض علمائنا انه أحرم إحراما مطلقا منتظرا ما يؤمر به من افراد أو تمتع أو قران ثم أمر بالحج ثم أمر بالعمرة في وادي العقيق بقوله (هل في هذا الوادي وقل عمرة في حجة) قال القاضي والذي سبق أبين وأحسن في التأويل * هذا كلام القاضي عياض ثم قال القاضي في موضع آخر بعده لا يصح قول من قال أحرم النبي صلى الله عليه وسلم احراما مطلقا منهما لان رواية جابر وغيره من الصحابة في الأحاديث الصحيحة ترده وهي مصرحة بخلافه *
(١٦٢)