منهاج الفقاهة - السيد محمد صادق الروحاني - ج ٢ - الصفحة ١٢٦
ومما يدل على سلب الكذب عن التورية ما روى في الإحتجاج. أنه سئل الصادق عليه السلام عن قول الله عز وجل في قصة إبراهيم (على نبينا وآله وعليه السلام): بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون قال: ما فعله كبيرهم وما كذب إبراهيم، قيل: وكيف ذلك، فقال: إنما قال إبراهيم: إن كانوا ينطقون أي إن نطقوا فكبيرهم فعل وإن لم ينطقوا، فلم يفعل كبيرهم شيئا، فما نطقوا وما كذب إبراهيم، و سئل عن قوله تعالى: أيتها العير إنكم لسارقون قال: إنهم سرقوا يوسف من أبيه ألا ترى أنهم قالوا نفقد صواع الملك ولم يقولوا سرقتم صواع الملك، وسئل عن قول الله عز وجل حكاية عن إبراهيم عليه السلام إني سقيم، قال: ما كان إبراهيم سقيما وما كذب إنما عنى سقيما في دينه أي مرتادا {1}.
____________________
ثم إنه يعتبر في صدق التورية أمران آخران غير ما مر:
أحدهما: أن يكون اللفظ بحسب المتفاهم العرفي العادي ظاهرا في غير ما أراده المتكلم، فلو كان ظاهرا فيه ولكن المخاطب لقصور فهمه لم يلتفت إليه، لم يكن ذلك من التورية.
ثانيهما: أن تكون إرادة ذلك المعنى من ذلك اللفظ صحيحة، بأن كان بينهما علاقة، فلو كان استعماله فيه غير صحيح لما كان من التورية، مثلا لو قال: أعطيت زيدا خمسين درهما، وهو أراد به درهما واحدا، وقد أعطاه في الواقع درهما، كان ذلك من الكذب لا من التورية، ولعله إلى هذا أشار العلامة في محكي القواعد في مسألة الوديعة إذا طالبها ظالم حيث قال: ويجب التورية على العارف بها، كما أنه إليه نظر المفيد حيث قال في هذه المسألة وإن لم يحسن التورية وكان نيته حفظ الأمانة... الخ.
وقد استدل لخروج التورية عن الكذب بروايات:
{1} الأولى: رواية الإحتجاج المذكورة في المتن (1).
فإنها تدل على أن الأقوال المذكورة إنما هي من التورية وليست من الكذب.

1) احتجاج الطبرسي، ص 194، من طبعة النجف، عام 1350 ه‍
(١٢٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 121 122 123 124 125 126 128 129 130 131 132 ... » »»
الفهرست