والذين كفروا أولياؤهم الطاغوت، يخرجونهم من النور إلى الظلمات. " (1) فحيث ما ذكر لفظ الولاية ذكر بعده سنخ الفعل والتصرف الناشئ منها من الأمر و النهى والعمل المناسب لها. فيظهر بذلك كون التصرف مأخوذا في مفهومها.
واصل الكلمة كما قالوا: هو الولي بمعنى القرب، والقريب من غيره لا يخلو من نحو تأثير وتصرف فيه، كما أن المتصرف في أمور الغير لابد ان يقع قريبا منه والى جانبه حتى يتمكن من التصدي لأموره والتولي لمصالحه.
فالانسان قد لا يقدر منفردا على رفع حاجاته فيحتاج إلى من يقع إلى جانبه، و بهذا يخرج عن الانفراد ويصبح ذا ولى يقع في تلوه فيجبر نقصه ويسد خلله.
والولي والمولى يطلقان على كل من الوالي والمولى عليه، لاحتياج كل منهما إلى الآخر وتصدى كل منهما شأنا من شؤون الآخر، ولوقوع كل منهما في تلو الآخر و في القرب منه. وإذا أردنا بيان ان زيدا ليس منفردا بل له من يتصدى لبعض أموره فيصح ان يقال: عمرو في تلوه كما يصح ان يقال: هو في تلو عمرو. ويشبه رجوع التلو والولي إلى أصل واحد وأبدلت الواو تاءا. ونظائره كثيرة في كلام العرب. وبهذه العناية يطلق لفظ المولى على كل من المالك والملوك. وبهذه العناية أيضا يقال: " الله ولى الذي آمنوا. " ويقال أيضا: " المؤمن ولى الله. " بل الظاهر ان المعاني الكثيرة التي ذكروها للمولى كلها ترجع إلى أمر واحد وكلها مصاديق لمفهوم فارد، وهو كون الشخص واقعا إلى جانب الآخر ليتصدى بعض شؤونه ويسد بعض خلله.
وبما ذكرنا يظهر ان قول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الخبر المتواتر: " من كنت مولاه فعلى مولاه " سواء كان بلفظ المولى أو الولي فمراده (صلى الله عليه وآله وسلم) ان يثبت لعلى (عليه السلام) مثل ما كان لنفسه من ولاية التصرف والأولوية المذكورة في الآية الشريفة. ولذا صدره بقوله: " أتعلمون إني أولى بالمؤمنين من أنفسهم " ثلاث مرات. وظاهر الكلام ان المولى في الجملتين بمعنى واحد، وهو الأولوية المذكورة في الآية.