ونشره، وصار كأنه باخع نفسه حرصا على ذلك، وقدم في سبيل ذلك مئات من الشهداء من خيرة المسلمين، ولم يغفل عنه ساعة واحدة من عمره الشريف. وكان يعتني ويهتم في دعوته وارشاده حتى بالمسائل الجزئية الفرعية كمال الاهتمام. و كان (صلى الله عليه وآله وسلم) مع ذلك ملتفتا إلى ان الاسلام لما يستوعب الحجاز بعد فضلا عن سائر البلاد، وان السلطات الكافرة في إيران والروم وغيرهما تقف أمام نشر الاسلام، ولا يتيسر دفعها إلا بالقوة والقدرة والقيادة الجازمة، وكان عالما بأخلاق العرب و تعصباتهم القبائلية والعشائرية، وبقاء بعض الرواسب في عدد من النفوس، وملتفتا إلى وجود منافقين يعملون لانتهاز الفرص، وان حب الدنيا والمناصب رأس كل الخطايا، وان الارتداد والانقلاب على الأعقاب مما ينبغي ان يخاف منه وقد قال الله - تعالى -: " وما محمد إلا رسول، قد خلت من قبله الرسل. أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم؟ " (1) وقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على ما في البخاري وغيره: " يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصيحابي، فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: " وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم، فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم " (2) فيقال: ان هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم. " (3) فهل يجوز العقل مع ذلك كله ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مع عقله ودرايته وفراسته، مضافا إلى نبوته ورسالته، ومع اهتمامه بانتشار الاسلام أهمل بالكلية أمر الدين والأمة و ترك أمر القيادة من بعده ولم يعين تكليف المسلمين في ذلك؟!
كيف؟! ولو أراد قيم قرية صغيرة ان يسافر سفرا موقتا فهو بطبعه ووجدانه يعين مرجعا يرجع اليه حين سفره وغيبته ويوصي بالرجوع اليه في الأمور، وكان هو (صلى الله عليه وآله وسلم) أيضا في أسفاره وغزواته يستخلف على المدينة المنورة من يخلفه في أموره الخاصة و العامة مدة سفره كما ضبط المؤرخون أسماءهم، فكيف ينسب اليه (صلى الله عليه وآله وسلم) مع كونه عقل الكل وخاتم الرسل انه ترك الاستخلاف لما بعد وفاته عن عمد أو غفلة؟!