وهل يمكن ان يقال ان أبا بكر حيث استخلف كان أبصر بمصالح المسلمين و أرأف بهم وأحرص عليهم من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد قال الله - عز وجل - في رسوله الكريم: " حريص عليكم، بالمؤمنين رؤوف رحيم. " (1) فلا يمكن ان يقال انه (صلى الله عليه وآله وسلم) أهمل أمرا يتقوم به نظام أمر المسلمين وقوتهم وشوكتهم.
وقد حكي ان عالما من علماء الشيعة مر على جماعة من السنة، فأصروا على أن يبيت عندهم ليلا، فأجابهم بشرط ان لا يقع بحث مذهبي. فلما تعشوا قال له أحد علماء السنة: ما رأيك في أبي بكر؟ فقال: كان هو مسلما فاضلا يصلي ويصوم ويحج ويتصدق ورافق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). فقال العالم السني: نعم، أضف. فقال العالم الشيعي: و خلاصة الكلام ان أبا بكر كان أفضل وأعقل من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بمراتب. فاستعجب الحاضرون وقالوا: كيف تقول هذا؟ قال: ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولى المسلمين ثلاث و عشرين سنة ومع ذلك لم يعقل وجوب الاستخلاف ومصالحه، وأبو بكر وليهم أقل من ثلاث سنوات وعقل ذلك وفهمه. فهو لا محالة كان أعقل منه (صلى الله عليه وآله وسلم) فالتفت الحاضرون إلى عمق المسألة. هذا.
وحين ما طعن الخليفة الثاني قال له ابنه:
" سمعت الناس يقولون مقالة فآليت ان أقولها لك: زعموا انك غير مستخلف، وانه لو كان لك راعى إبل أو راعى غنم ثم جاءك وتركها رأيت ان قد ضيع، فرعاية الناس اشد. قال: فوافقه قولي. " (2) فكيف لم يلتفت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى هذه النكتة الواضحة التي التفت إليها ابن عمر ووافقه فيها أبوه؟!
وقالت عائشة لعبد الله بن عمر:
" يا بنى، أبلغ عمر سلامي وقل له: لا تدع أمة محمد بلا راع، استخلف عليهم، ولا تدعهم بعدك هملا، فإني أخشى عليهم الفتنة. " (3)