ولست أنزل من ذلك الشئ إلا ما هو مصلحة لهم في الدين وينفعهم دون ما يكون مفسدة لهم ويضرهم، وصدر الآية إشارة إلى قوله ع: اطلبوا الرزق في خبايا الأرض، فإنه تعالى بسطها وجعل لها طولا وعرضا وطرح فيها جبالا ثابتة وأعلاما يهتدي بها وأخرج منها النبات فيها من كل شئ بقدر معلوم، ومن الأشياء التي توزن من الذهب والفضة والنحاس والحديد وغيرها.
فصل:
وقال الصادق ع في قوله تعالى: ربنا آتنا في الدنيا حسنة، أي سعة في الرزق والمعاش وحسن الخلق في الدنيا: وفي الآخرة حسنة، رضوان الله والجنة في الآخرة.
وقال تعالى: ولقد مكناكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معايش، أخبر تعالى على وجه الامتنان على خلقه بأصناف نعمه أنه مكن عباده في الأرض من التصرف فيها من سكناها وزراعتها وجعل لهم فيها ما يعيشون به مما أنبت لهم من الحبوب والثمرات وغيرها، والمعيشة وصلة من جهة مكسب المطعم والمشرب والملبس إلى ما فيه الحياة، والتمكين إعطاء ما يصح معه الفعل مع ارتفاع المنع لأن الفعل كما يحتاج إلى القدرة فقد يحتاج إلى آلة وإلى دلالة وإلى سبب كما يحتاج إلى رفع المنع والتمكين عبارة عن جميع ذلك.
وقال تعالى: كلوا من طيبات ما رزقناكم، المراد به الإباحة لأنه تعالى لا يريد المباحات من الأكل والشرب وغيرهما: ولا تطغوا فيه، أي لا تتعدوا فيه فتأكلوه على وجه حرمه الله فمتى طغيتم فيه وأكلتموه على وجه الحرام نزل عليكم غضبي.
فصل:
وقال بعض المفسرين: إن قوله تعالى: يا أيها الناس كلوا مما في الأرض حلالا طيبا، إشارة إلى ما ذكره النبي ع تفصيلا لتلك الجملة وهو قوله: إذا مر الانسان بالثمرة جاز له أن يأكل منها بقدر كفايته ولا يحمل منها شيئا على حال، ولذلك قال تعالى بعده: ولا تتبعوا خطوات الشيطان.