فصل:
وقوله تعالى: لتبلون في أموالكم وأنفسكم، معناه لتختبرن بما يفعل بكم من الفقر وشدة العسر وبما تؤمرون من الزكوات والإنفاق في سبيل الله في أموالكم كما تختبرون بالعبادات في أنفسكم، وإنما فعله لتصبروا فسماه بلوى مجازا لأن حقيقة لا تجوز على الله.
وكفى للمكلفين واعظا بقوله تعالى: لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له، فإن أرض سبأ كانت من أطيب البقاع لم يجعل الله فيها شيئا من هوام الأرض نحو البق والبراغيث ولا العقرب ولا غيرها من المؤديات وكان الغريب إذا دخل أرضهم وفي ثيابه قمل مات، فهذه آية. والآية الثانية أن المرأة كانت تأخذ على رأسها مكيلا فيمتلئ بالفواكه من غير أن تمس بيدها شيئا، ثم فسر الآية فقال " جنتان " أي هي جنتان من عن يمين الوادي وشماله. ثم قال: كلوا من رزق ربكم، المراد به الإباحة وإن كان لفظه لفظ الأمر. " بلدة طيبة " ليس فيها سبخة فأعرضوا عن ذلك فلم يشكروا الله فجازاهم تعالى على ذلك بأن سلبهم نعمة كانت بها وأرسل عليهم سيل العرم، وقد كانت تجتمع مياه وسيول في هذا الوادي وسدوه بالحجارة والقار بين الجبلين فجعلوا له أبوابا يأخذون الماء منه بمقدار الحاجة ما شاؤوا فلما تركوا أمر الله بعث عليهم جرذا فنقبته فأغرق عليهم جنتهم وأفسد أرضهم.
ثم قال: وبدلناهم بجنتيهم جنتين، وإنما سماهما بعد ذلك أيضا جنتين ازدواجا للكلام.
" ذواتي أكل خمط " فالأكل جناء الثمر الذي يؤكل والخمط شجر له ثمر مر، ثم قال: ذلك جزيناهم بما كفروا، ثم من الله تعالى عليهم بما يذكر بعد فظهر فيما بينهم المحاسدة فكان كما قال: فجعلناهم أحاديث، أي أهلكناهم وألهمنا الناس أحاديثهم ليعتبروا بها.
باب المكاسب المباحة:
قال أبو عبد الله ع: إن قوما من الصحابة لما نزل: ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب، أغلقوا الأبواب وأقبلوا على العبادة وقالوا: قد كفينا، فبلغ ذلك النبي ص فأرسل إليهم فقال: ما حملكم على ما صنعتم؟ فقالوا: