غير أن تحصيل ملكة هذه الصناعة - بأن يتمكن المجادل من الانتفاع بالمشهورات والمسلمات في وقت الحاجة عند الاحتجاج على خصمه أو عند الاحتراز من الانقطاع والمغلوبية - ليس بالأمر الهين كما قد يبدو لأول وهلة. بل يحتاج إلى مران طويل حتى تحصل له الملكة شأن كل ملكة في كل صناعة. ولهذا المران موارد أربعة هي أدوات للملكة، إذا استطاع الإنسان أن يحوز عليها فإن لها الأثر البالغ في حصول الملكة وتمكن الجدلي من بلوغ غرضه. ونحن واصفون هنا هذه الأدوات.
وليعلم الطالب: أنه ليس معنى معرفة وصف هذه الأدوات أنه يكون حاصلا عليها فعلا، بل لابد من السعي لتحصيلها بنفسه عملا واستحضارها عنده، فإن من يعرف معنى المنشار لا يكون حاصلا لديه ولا يكون ناشرا للخشب، بل الذي ينشره من تمكن من تحصيل نفس الآلة وعمل بها في نشر الخشب. نعم معرفة أوصاف الآلة طريق لتحصيلها والانتفاع بها.
والأدوات الأربع المطلوبة هي كما يلي:
الأداة الأولى: أن يستحضر لديه أصناف المشهورات من كل باب ومن كل مادة على اختلافها ويعدها في ذاكرته لوقت الحاجة، وأن يفصل بين المشهورات المطلقة وبين المحدودة عند أهل كل صناعة أو مذهب، وأن يميز بين المشهورات الحقيقية وغيرها، وأن يعرف كيف يستنبط المشهور ويحصل على المشهورات بالقرائن وينقل حكم الشهرة من قضية إلى أخرى.
فإذا كمل له كل ذلك وجمعه عنده، فان احتاج إلى استعمال مشهور كان حاضرا لديه متمكنا به من الاحتجاج على خصمه.
وهذه الأداة لازمة للجدلي، لأنه لا ينبغي له أن ينقطع أمام الجمهور ولا يحسن منه أن يتأنى ويطلب التذكر أو المراجعة، فإنه يفوت غرضه ويعد فاشلا، لأن غايته آنية - وهي الغلبة على خصمه أمام الجمهور -