فيفوت غرضه بفوات الأوان، على العكس من طالب الحقيقة بالبرهان، فإن تأنيه وطلبه للتذكر والتأمل لا ينقصه ولا ينافي غرضه من تحصيل الحقيقة ولو بعد حين.
ومما ينبغي أن يعلم: أن هذه الملكة - ملكة استحضار المشهور عند الحاجة - يجوز أن تتبعض، بأن تكون مستحضرات المجادل خاصة بالموضوع المختص به، فالمجادل في الأمور الدينية - مثلا - يكفي أن يستحضر المشهورات النافعة في موضوعه خاصة، ومن يجادل في السياسة إنما يستحضر خصوص المشهورات المختصة بهذا الباب فيكون صاحب ملكة في جدل السياسة فقط... وهكذا في سائر المذاهب والآراء.
وعليه، فلا يجب في الجدلي المختص بموضوع أن تكون ملكته عامة لجميع المشهورات في جميع العلوم والآراء.
الأداة الثانية: القدرة والقوة على التمييز بين معاني الألفاظ المشتركة والمنقولة والمشككة والمتواطئة والمتبائنة والمترادفة وما إليها من أحوال الألفاظ، والقدرة على تفصيلها على وجه يستطيع أن يرفع ما يطرأ من غموض واشتباه فيها، حتى لا يقتصر على الدعوى المجردة في إيرادها في حججه، بل يتبين وجه الاشتراك أو التشكيك أو غير ذلك من الأحوال.
وهناك أصول وقواعد قد يرجع إليها لمعرفة المشترك اللفظي وتمييزه عن المشترك المعنوي ولمعرفة باقي أحوال اللفظ، لا يسعها هذا الكتاب المختصر. ولأجل أن يتنبه الطالب لهذه الأبحاث نذكر مثالا لذلك، فنقول:
لو اشتبه لفظ في كونه مشتركا لفظيا أو معنويا، فإنه قد يمكن رفع الاشتباه بالرجوع إلى اختلاف اللفظ بحسب اختلاف الاعتبارات، مثل كلمة " قوة " فإنها تستعمل بمعنى القدرة كقولنا: " قوة المشي والقيام " مثلا، وتستعمل بمعنى القابلية والتهيؤ للوجود مثل قولنا: " الأخرس ناطق بالقوة والبذرة شجرة بالقوة " فلو شككنا في أنها موضوعة لمعنى أعم أو لكل