- مثلا - في أرض طيبة في الوقت المناسب وقد سقيت الماء فلابد أن يحصل النبات، باعتبار أن الفاعل قوة طبيعية في جوهر المادة فلا يمكن إلا أن يصدر عنها فعلها عند حصول الاستعداد التام، لأنه إذا طلبت المادة - عند استعدادها - بلسان حالها أن يفيض بارئ الكائنات عليها الوجود، فإنه - تعالى - لا بخل في ساحته، فلابد أن يفيض عليها وجودها اللائق بها. وإذا وجدت الصورة فهو فرض وجود المعلول، لأن معنى حصول الصورة - كما سبق - حصول المعلول بالفعل.
نعم، في بعض الأمور الطبيعية لا يلزم من حصول استعداد المادة حصول الصورة بالفعل، وذلك عندما يكون حدوث تلك الصورة متوقفة على حركة من علة محركة خارجة، كاستعداد النخلة للثمر، فإنما تتم ثمرتها بالفعل بعد التلقيح، والتلقيح حركة من فاعل محرك خارج وهو الملقح. ومن هذا الباب الأمور الصناعية، فإن مجرد استعداد الخشب لأن يصير كرسيا لا يصيره كرسيا بالفعل ما لم يعمل الصانع في نشره وتركيبه على الوجه المناسب. وعليه لا يقع البرهان اللمي في أمثال هذه المواد، فلا تقع كل مادة حدا أوسط، فلذا لا يصح أن يعلل كون الشئ كرسيا بقولنا: لأنه خشب.
وأما العلة الفاعلية، فليس يجب من فرض الفاعل في كثير من الأشياء وجود المعلول، بل لا يؤخذ حدا أوسط إلا إذا كان فاعلا تاما، بمعنى أنه مشتمل على تمام جهات تأثيره، كما إذا دل على استعداد المادة ووجود جميع الشرائط فيما إذا كان المعلول من الأمور الطبيعية المادية، وذلك كفرض وجود الحرارة في الحديد الذي يلزم منه بالضرورة وجود التمدد، فالفاعل بدون الموضوع القابل لا يكون فاعلا تاما، كما لا يكون القابل بدون الفاعل قابلا بالفعل.
ومن هذا الكلام يعلم ويتضح أنه ليس على المطلوب الواحد - في