الثاني: أن تكون العلة من الخارج، وهذه العلة الخارجة على نحوين:
1 - أن تكون إحدى الحواس الظاهرة أو الباطنة، وذلك في المشاهدات والمتواترات اللتين هما من البديهيات الست وقضاياهما من الجزئيات (1) فإن العقل هو الذي يدرك أن هذه النار حارة، أو مكة موجودة. ولكن إدراكه لهذه الأشياء ليس ابتداء بمجرد تصور الطرفين ولا بتوسط مقدمات عقلية، وإنما بتوسط إحدى الحواس، وهي جنوده التي يستعين بها في إدراك المشاهدات ونحوها، فإنه يدرك الطعم بالذوق واللون بالبصر والصوت بالسمع... وهكذا، ثم يدرك بقوة أخرى بأن ما له هذا اللون الأصفر - مثلا - له هذا الطعم الحامض.
وقول الحكماء: " إن العقل (2) لا يدرك الجزئيات " (3) فإن غرضهم أنه لا يدرك الجزئيات بنفسه بدون استعمال آلة إدراكية، وإلا فليس المدرك للكليات والجزئيات إلا القوة العاقلة. ولا يمكن أن يكون للسمع والبصر ونحوهما وجود وإدراك مع قطع النظر عنها، غير أن إدراك القوة العاقلة للمحسوسات لا يحتاج إلى أكثر من استعمال آلة الإدراك المختصة في ذلك المحسوس.
ويختص إدراك القوة العاقلة بتوسط (4) الآلة في خصوص الجزئيات، لأن الحس بانفراده لا يفيد رأيا كليا، لأن حكمه مخصوص بزمان الإحساس فقط، وإذا أراد أن يتجاوز الإدراك إلى الأمور الكلية فلابد أن