غير أنه يمكن أن نعلم أن " الجامع " - أي: جهة المشابهة - علة تامة لثبوت الحكم في الأصل، وحينئذ نستنبط على نحو اليقين أن الحكم ثابت في الفرع لوجود علته التامة فيه، لأنه يستحيل تخلف المعلول عن علته التامة. ولكن الشأن كله إنما هو في إثبات أن الجامع علة تامة للحكم، لأنه يحتاج إلى بحث وفحص ليس من السهل الحصول عليه حتى في الأمور الطبيعية. والتمثيل من هذه الجهة يلحق بقسم الاستقراء المبني على التعليل الذي أشرنا إليه سابقا، بل هو نفسه (1).
أما إثبات أن الجامع هو العلة التامة لثبوت الحكم في المسائل الشرعية، فليس لنا طريق إليه إلا من ناحية الشارع نفسه، ولذا لو كانت العلة منصوصا عليها من الشارع فإنه لا خلاف بين الفقهاء جميعا في الاستدلال بذلك على ثبوت الحكم في الفرع، كقوله (عليه السلام): " ماء البئر واسع لا يفسده شئ... لأن له مادة " (2) فإنه يستنبط منه أن كل ماء له مادة - كماء الحمام وماء حنفية الإسالة - فهو واسع لا يفسده شئ.
وفي الحقيقة: إن التمثيل المعلوم فيه أن الجامع علة تامة يكون من باب القياس البرهاني المفيد لليقين، إذ يكون فيه الجامع حدا أوسط والفرع حدا أصغر والحكم حدا أكبر، فنقول في مثال الماء:
1 - ماء الحمام له مادة.
2 - وكل ماء له مادة واسع لا يفسده شئ (بمقتضى التعليل في الحديث) ينتج: ماء الحمام واسع لا يفسده شئ.
وبهذا يخرج عن اسم التمثيل واسم القياس باصطلاح الفقهاء الذي كان محل الخلاف عندهم.