وجوب كون العالم محدثا من غير تعرض لفاعله فضلا عن أن يكون مختارا أولا ثم ذكروا بعد اثبات حدوثه انه محتاج إلى محدث وان محدثه يجب ان يكون مختارا لأنه لو كان موجبا لكان العالم قديما وهو باطل بما ذكروه أولا فظهر انهم ما بنوا حدوث العالم على القول بالاختيار بل بنوا القول بالاختيار على الحدوث واما القول بنفي العلة والمعلول فليس بمتفق عليه عندهم لان مثبتي الأحوال من المعتزلة قائلون بذلك (1) صريحا وأيضا أصحاب هذا الفاضل أعني الأشاعرة يثبتون مع المبدء الأول قدماء ثمانية سموها صفات المبدء الأول فهم بين ان يجعلوا الواجب تسعه وبين ان يجعلوها معلولات لذات واجبية هي علتها وهذا شئ ان احترزوا عن التصريح به لفظا فلا محيص لهم عن ذلك معنى فظهر انهم غير متفقين بنفي العلة و المعلول على القول بالحدوث واما الفلاسفة فلم يذهبوا إلى أن الأزلي يستحيل ان يكون فعلا لفاعل مختار بل ذهبوا إلى أن الفعل الأزلي يستحيل ان يصدر الا عن فاعل أزلي تام في الفاعلية وان الفاعل الأزلي التام في الفاعلية يستحيل ان يكون فعله غير أزلي ولما كان العالم عندهم فعلا أزليا أسندوه إلى فاعل أزلي تام في الفاعلية وذلك في علومهم الطبيعية (2) وأيضا لما كان المبدء الأول عندهم أزليا تاما في الفاعلية حكموا بكون العالم الذي هو فعله أزليا وذلك في علومهم الإلهية ولم يذهبوا أيضا إلى أنه ليس بقادر مختار (3) بل ذهبوا إلى أن قدرته واختياره لا يوجبان كثره في ذاته وان فاعليته ليست كفاعلية المختارين من
(٣١١)