ولا يزال ولا نعنى به ما يتعارفه الجمهور في القادر منا فان القدرة فينا قوة فإنه لا يمكن ان يصدر عن قدرتنا شئ ما لم يترجح بمرجح وان لنا قدره على الضدين فلو كان يصح صدور الفعل عن قدره لصح صدور فعلين متضادين معا عن انسان واحد في حاله واحده فالقدرة فينا بالقوة والأول برئ من القوة وإذا وصف بالقدرة فإنه يوصف بالفعل دائما ونحن إذا حققنا معنى القدرة كان معناها انا متى شئنا ولم يكن مانع فعلنا لكن قولنا متى شئنا ليس هو أيضا بالفعل فانا أيضا قادرون على المشية (1) على الوجه الذي ذكرنا فيكون المشية فينا أيضا بالقوة ويكون القدرة فينا أيضا تارة تكون في النفس وتارة في الأعضاء والقدرة في النفس هي على المشية وفي الأعضاء على التحريك فلو وصف الأول بالقدرة على الوجه المتعارف لوجب ان يكون فعله بالقوة ولكان بقي هناك شئ لم يخرج من القوة إلى الفعل فلم يكن تاما وبالجملة فان القوة والامكان تكونان في الماديات والأول فعل على الاطلاق فكيف يكون قوة والعقول الفعالة هي مثل الأول في الاختيار والقدرة لأنها ليست تطلب خيرا مظنونا بل خيرا حقيقيا ولا ينازع هذا الطلب فيها طلبا آخر كما فينا إذ ليس فيها قوتان ويكون من وجه التنازع من قبلهما فعلو الأول ومجده انه بحيث يصدر عنه الافعال ومجد هذه العقول ان يتوخى أن تكون أفعالها مثل فعل الأول انتهى كلامه.
فان قلت إذا حققت القدرة على هذا الوجه في الباري جل ذكره يلزم قدم العالم ويستحيل زواله ودثوره قلنا من رجع إلى ما ذكرناه في كيفية وجود الطبائع الكونية ونحو حصولها وحصول كل ما يتعلق وجوده بمادة جسمانية من صور الأفلاك والعناصر ونفوسها وقواها مع صفاء الذهن وامعان النظر وترك الجحود والعصبية