بان علمه بذاته عين ذاته وعلمه بالأشياء الممكنة عبارة عن وجود العقل الأول مع الصور القائمة به هربا من مفاسد تلزمهم من القول بكون علمه تعالى بالأشياء صورا كثيره قائمه بذاته تعالى وهذا وان أمكن تصحيحه عند من له قدم راسخ (1) في الحكمة المتعالية لكن لا يصح على قواعدهم المشهورة لان العقل بما فيه حادث ذاتي وحقيقة علمه تعالى قديمه لأنها عين ذاته فكيف يمكن ان يكون هو هو ولا تصغ إلى قول من يقول بعض علمه قديم وبعض علمه حادث فإنه بمنزله قول من قال إن بعض قدرته قديمه وبعضها حادثه أو قال بعض ذاته قديمه وبعضها حادثه بل يجب ان يكون حقيقة علمه واحده ومع وحدتها تكون علما بكل شئ كما أشرنا إليه في أوائل هذا السفر الربوبي.
ويرد عليه أيضا ان وجود العقل مسبوق بعلم الحق به لان ما لا يعلم لا يمكن ايجاده واعطاء الوجود له فالعلم به حاصل قبل وجوده ضرورة فهو غيره لا محاله ومهيته مغائرة لحقيقة العلم بالضرورة لان حقيقة العلم كما قررنا تكون واجبه الوجود لذاتها لان حقيقتها حقيقة الوجود وان لحقها في بعض المراتب من جهة اقتران المهية لها امكان عقلي أو خارجي ولا شئ من المهيات واجب الوجود لذاته (2) فكيف يكون مهية المعلول الأول علما لواجب الوجود.
فظهر وتبين من تضاعيف أقوالنا ان الحق الأول يعلم الأشياء كلها بما يعلم به ذاته لا بأمر آخر وأيضا العقل الأول عندهم جوهر وجوهريته انه مهية لها وجود