على الصعيد النظري: إذا كان حق الفرد في المصدر الطبيعي الذي أحياه، أو في الصيد الذي اصطاده، يقوم على أساس امتلاكه نتيجة عمله، وهي فرصة الانتفاع بذلك المصدر، فعلى أي أساس يقوم حق الفرد في الحجر الذي يلقاه في الطريق، فيأخذه لنفسه؟ أو حقه في الماء الراكد الذي يحوزه من بحيرة طبيعية؟ مع أن حيازته هذه للحجر أو للماء لم تنتج فرصة عامة جديدة في المال كما ينتج الصيد واحياء الأرض؟.
والجواب على هذا السؤال: أن حق الفرد هذا، لا يستمد مبرره من تملك الفرصة نتجت عن عمله، وإنما يبرره انتفاع الفرد بذلك المال، فكما أن من حق كل عامل أن يمتلك الفرصة التي ينتجها عمله، كذلك من حقه أن ينتفع بالفرصة التي هيأتها له الطبيعة بعناية الله تعالى. فالماء مثلا إذا كان في أعماق الأرض وكشفه الفرد بالحفر، فقد خلق فرصة الانتفاع به وأصبح جديرا بامتلاك هذه الفرصة. وأما إذا كان الماء مجتمعا طبيعيا على سطح الأرض، وكان فرصة الانتفاع به ناجزة بدون جهد من الانسان، فلا بد أن يتاح لكل فرد أن يمارس انتفاعه بذلك الماء، ما دامت الطبيعة قد كفتهم العمل ومنحتهم فرصة الانتفاع.
فإذا افترضنا فردا اغترف بإنائه من الماء المجتمع طبيعيا على وجه الأرض فقد مارس عملا من أعمال الانتفاع والاستثمار، في مفهوم النظرية كما مر بنا في مستهل البحث، وما دام من حق كل فرد أن ينتفع بالثروة التي تقدمها الطبيعة بين يدي الانسان فمن الطبيعي أن يسمح للفرد بحيازة الماء المكشوف على وجه الأرض، من مصادره الطبيعية، لأنها عمل من أعمال الانتفاع والاستثمار وليس عملا من أعمال الاحتكار والقوة.
وإذا احتفظ الفرد بالماء الذي حازه، كان له ذلك، ولا يجوز لآخر أن ينازعه فيه، أو ينتزعه منه وينتفع به لأن النظرية ترى حيازة الماء وما اليه، الثروات المنقولة عملا من أعمال الانتفاع، فما دامت الحيازة مستمرة فالانتفاع مستمر إذن من قبل الحائز، وما دام الحائز مواصلا لانتفاعه بالثروة، فلا مبرر لتقديم فرد آخر عليه في الانتفاع بها إذا أراد.