ملكية مصادر الإنتاج، ومصير توزيعها بأفراد المجتمع أنفسهم، وما يبذله كل واحد منهم من طاقات وقوى - داخل نطاق الحرية الاقتصادية الموفرة للجميع - في سبيل الحصول على أكبر نصيب ممكن من تلك المصادر.. فتسمح لكل فرد بتملك ما ساعده الحظ وحالفة التوفيق على الظفر به، ثروات الطبيعة ومرافقها.
وأما الماركسية فهي ترى تبعا لطريقتها العامة في تفسير التاريخ: أن ملكية مصادر الإنتاج تتصل اتصالا مباشرا بشكل الإنتاج السائد، فكل شكل من أشكال الإنتاج هو الذي يقرر - في مرحلته التاريخية - طريقة توزيع المصادر المادية للإنتاج، ونوع الأفراد الذين يجب أن يملكوها. ويظل شكلا جديدا فيضيق هذا الشكل الجديد ذرعا بنظام التوزيع السابق، ويتعثر به في طريق نموه وتطوره، حتى يتمزق نظام التوزيع القديم، بعد تناقض مرير مع شكل الإنتاج الحديث، وينشأ توزيع جديد لمصادر الإنتاج، يحقق لشكل الإنتاج الحديث الشروط الاجتماعية التي تساعده على النمو والتطور. فتوزيع مصادر الإنتاج يقوم دائما على أساس خدمة الإنتاج نفسه، ويتكيف وفقا لمتطلبات نموه وارتقائه.
ففي مرحلة الإنتاج الزراعي من التاريخ، كان شكل الإنتاج يحتم إقامة توزيع المصادر على أساس إقطاعي، بينما تفرض المرحلة التاريخية للإنتاج الصناعي الآلي، إعادة التوزيع من جديد على أساس امتلاك الطبقة الرأسمالية لكل مصادر الإنتاج، وفي درجة معينة من نمو الإنتاج الآلي يصبح من المحتوم تبديل الطبقة الرأسمالية بالطبقة العاملة، وإعادة التوزيع على هذا الأساس.
والإسلام لا يتفق في مفهومه عن توزيع ما قبل الإنتاج مع الرأسمالية، ولا مع الماركسية، فهو لا يؤمن بمفاهيم الرأسمالية عن الحرية الاقتصادية، كما مر بنا في بحث (مع الماركسية) (1). وكذلك لا يقر الصلة الحتمية، التي تضعها الماركسية بين ملكية المصادر وشكل الإنتاج السائد، كما رأينا في بحث (اقتصادنا في معالمه الرئيسية) (2). وهو لذلك يحد من حرية تملك الأفراد لمصادر الإنتاج، ويفصل توزيع تلك المصادر عن شكل الإنتاج، لأن المسألة في نظر الإسلام ليست مسألة أداة إنتاج، تتطلب نظاما للتوزيع يلائم سيرها