والعبيد قد مثل الدور المحتوم، الذي يفرضه العامل الاقتصادي ومنطق الإنتاج. لأن الجماعة التي مثلت دور السيادة في المجتمع، كانت على مستوى عال من الثروة نسبيا، وكانت تملك بسبب ذلك القدرة على ربط الآخرين بها، برباط الرق والعبودية. ولكن اللغز يبقى - بالرغم من هذا الجواب - كما هو، لم يتغير، لأننا نعلم أن هذه الثروات الضخمة نسبيا، لم تهبط على الأسياد من السماء. فكيف حصل عليها هؤلاء دون غيرهم، واستطاعوا أن يفرضوا سيادتهم على الآخرين، مع أن الجميع كانوا يعيشون في مجتمع شيوعي واحد؟!
وتجيب الماركسية على هذا السؤال من جديد بأمرين:
أحدهما: ان الأفراد الذين كانوا يزاولون مهام الرؤساء، والقادة الحربيين، ورجال الدين، في المجتمع الشيوعي البدائي، أخذوا يستغلون مركزهم، لكي يحصلوا على الثروة، فامتلكوا جزءا من الملكية الشائعة، وبدأوا ينفصلون شيئا فشيئا تحت تبعيتهم الاقتصادية (1).
والآخر: إن مما ساعد على إيجاد التفاوت والتناقض، في مستويات الإنتاج والثروة بين أفراد المجتمع. ان جماعة حولت أسرى الحرب إلى عبيد، وصارت تربح بسبب ذلك النتاج الفائض عن حاجتهم الضرورية حتى أثرت، واستطاعت نتيجة لثروتها أن تستعبد أعضاء القبيلة، الذين تجردوا من أموالهم وأصبحوا مدينين (2).
وكلا هذين الأمرين لا يتفقان مع وجهة نظر المادية التاريخية، أما الأول: فلأنه يؤدي إلى اعتبار العامل السياسي، عاملا أساسيا، والعامل الاقتصادي عاملا ثانويا منبثقا عنه، لأنه يفترض أن المكانة السياسية، التي كان القواد ورجال الدين والرؤساء يتمتعون بها في المجتمع الشيوعي اللا طبقي، هي التي شقت لهم الطريق إلى الإثراء، وإيجاد ملكيات خاصة، فالظاهرة الطبقية إذن وليدة الكيان السياسي، وليس العكس، كما تقرر المادية التأريخية.