مستحب له التعرض لتولي الأمور من جهته وإن علم أو غلب على ظنه أنه لا يتمكن من ذلك وأنه لا يخلو من تفريط يلحقه في الواجبات، ويحتاج إلى ارتكاب بعض المقبحات، لم يجز له تولى ذلك.
فإن ألزمه السلطان الجائر بالولاية إلزاما لا يبلغ تركه الإجابة إلى ذلك الخوف على النفس وسلب المال وإن كان ربما لحقه بعض الضرر، أو لحقه في ذلك مشقة فالأولى أن يتحمل تلك المشقة ويتكلف مضرتها، ولا يتعرض للولاية من جهته.
وإن خاف على نفسه أو على أحد من أهله، أو بعض المؤمنين، أو على ماله جاز له أن يتولى ذلك، ويجري على وضع الأمور في مواضعها، وإن لم يتمكن من فعل ذلك، اجتهد فيما يتمكن منه وإن لم يتمكن من فعل ذلك ظاهرا فعله سرا لا سيما حقوق الأخوان والتخفيف عنهم من جور السلاطين الجور من خراج أو غيره.
وإذا لم يتمكن من القيام بحق من الحقوق والحال في التقية على ما ذكرناه جاز له أن يتقي في سائر الأمور والأحكام التي لا يبلغ إلى سفك دم محرم، لأن هذا الدم ليس في سفكه تقية. وإذا تولى إنسان من قبل السلطان الجائر ولاية، جاز له على جهة الرخصة قبول الأرزاق والجوائز منه، لأن له قسطا من بيت مال المسلمين.
وينبغي له أن يجتهد ويحرص في إخراج الخمس من كل ما يحصل له من ذلك ويوصله إلى مستحقه، ويصل إخوانه من الباقي.
ويتصرف هو في منافعه بالبعض الذي يبقى من ذلك وليس يجوز لأحد أن يقبل صلات سلاطين الجور وجوائزهم ما يعلم إنه بعينه غصب وظلم، فإن لم يتعين جاز له قبوله وإن علم أن السلطان المجيز له بذلك، ظالم ويكون الإثم على الظالم دونه.
وإذا تمكن الإنسان من ترك معاملة الظالمين بالبيع والشراء وغير ذلك فالأولى تركها ولا يتعرض لشيئ منها جملة وإن لم يتمكن من ترك ذلك معهم كانت معاملته له في ذلك جائزة إلا أنه لا يشتري منه شيئا يعلم أنه مغصوب، ولا يقبل منهم ما هو محرم في الشرع.