ولقد استمر التأليف على هذا النمط، فتبعه ولده الصدوق المتوفى عام 381، فألف " المقنع والهداية "، وتبعه شيخ الأمة ومفيدها " محمد بن النعمان " المتوفى عام 413 في " مقنعته "، وتلميذه شيخ الطائفة محمد بن الحسن الطوسي المتوفى عام 640 في " نهايته ".
ولما كانت متون هذه الكتب والمؤلفات مأخوذة من نفسه الروايات والأصول وقعت متونها موضع القبول من قبل الفقهاء فعاملوها معاملة الكتب الحديثية، وعولوا عليها عند إعوازهم النصوص على اختلاف مشاربهم وأذواقهم وكان سيدنا الأستاذ آية الله البروجردي المتوفى عام (1380 ه) يسمي تلك الكتب ب " المسائل المتلقاة "، وسماها بعض الأجلة ب: الفقه المنصوص ".
مبدء تطور الفقه عن الشيعة الإمامية ما تقدم من المرحلتين كان راجعا إلى بيان الفقه من دون حدوث أي تطور عميق فيه: والنمط الثاني (تجريد المتون عن الأسانيد) وإن كان نمطا جديدا، وثورة على الطريقة القديمة السائدة طيلة قرون، لكنه لم يكن رافعا للحاجة وسادا للفراغ، لأن هناك حاجات وأحداث لم ترد بعينها في متون الروايات وسنن النبي (صلى الله عليه وآله)، وإن كان يمكن استنباط أحكامها من العمومات والإطلاقات والأصول الواردة في الكتاب والسنة، فعند ذلك يجب أن تكون هناك ثورة جديدة قوية تسد هذا الفراغ، وتغني المجتمع الإسلامي من الرجوع إلى غير الكتاب والسنة ولذلك قام في أوائل القرن الرابع لفيف من فقهاء الشيعة بإبداع منهج خاص في الفقه، وهو الخروج عن حدود عبائر النصوص والألفاظ الواردة في الكتاب والسنة، وعرض المسائل على القواعد الكلية الواردة في ذينك المصدرين، مع التحفظ على الأصول المرضية عند أئمة الشيعة من نفي القياس والاستحسان ونفي الاعتماد على كل نظر ورأي ليس له دليل في الكتاب والسنة.