نعم لا ينحصر المتخرجون من مدرستهم في هؤلاء الذين ذكرناهم، فقد تخرج من تلك المدرسة جماعة كثيرة تجاوزت المئات بل الآلاف، وقد ضبطت أسماءهم وخصوصياتهم وكتبهم، الكتب الرجالية والفهارس العلمية ومع أن كتب الرجال والفقه تنص على مكانتهم في الفقاهة، ومدى استنباطهم الأحكام الشرعية، غير أن كتبهم في القرون الثلاثة الأولى كانت مقصورة على نقل الروايات بإسنادها، والإفتاء في المسائل بهذا الشكل، مع تمييز الصحيح عن السقيم والمتقن عن الزائف وتطلق على كتبهم عناوين: الأصل، الكتاب، النوادر، الجامع، المسائل أو خصوص باب من أبواب الفقه، كالطهارة، والصلاة، وما شابه ذلك هذه الكتب المدونة في القرون الثلاثة بمنزلة " المسانيد " عند العامة، فكل كتاب من هذه الرواة يعد مسندا للراوي، قد جمع فيه مجموع رواياته عن الإمام أو الأئمة في كتابه، وكان الإفتاء بشكل نقل الرواية بعد أعمال النظر ومراعاة ضوابط الفتيا وهكذا مضى القرن الثالث.
وبإطلالة أوائل القرن الرابع طلع لون جديد في الكتابة والفتيا، وهو الإفتاء بمتون الروايات مع حذف أسنادها، والكتابة على هذا النمط مع أعمال النظر والدقة في تمييز الصحيح عن الزائف فخرج الفقه - في ظاهره - عن صورة نقل الرواية، واتخذ لنفسه شكل الفتوى المحضة، وأول من فتح هذا الباب على وجه الشيعة بمصراعيه هو والد الشيخ الصدوق " علي بن الحسين بن موسى بن بابويه " المتوفى عام 329 ه، فألف كتاب " الشرائع " لولده الصدوق، وقد عكف فيه على نقل متون ونصوص الروايات، وقد بث الصدوق هذا الكتاب في متون كتبه: كالفقيه، والمقنع والهداية، كما يظهر ذلك من الرجوع إليها.