ثم إن فارسا من فرسان معاوية كان مشهورا بالشجاعة، يقال له: بسر بن أرطاة حدثته نفسه بالخروج إلى علي بن أبي طالب ومبارزته، وكان له غلام شهم شجاع يقال له: لاحق فشاوره في ذلك، فقال: ما أشير عليك إلا أن تكون واثقا من نفسك أنك من أقرانه، ومن فرسان ميدانه، فابرز إليه فإنه الأسد الخادر، والشجاع المطرق، وأنشد العبد يقول:
فأنت له يا بسر إن كنت مثله * وإلا فإن الليث للضبع آكل متى تلقه فالموت في رأس رمحه * وفي سيفه شغل لنفسك شاغل قال: ويحك هل هو إلا الموت، والله لا بد لي من مبارزته على كل حال فخرج بسر بن أرطاة لمبارزة علي، فلما رآه علي عليه السلام، حمل عليه ودقه بالرمح، فسقط على قفاه إلى الأرض، فرفع رجله فبدت سوءته فصرف علي عليه السلام وجهه، فوثب قائما وقد سقط المغفر عن رأسه فعرفه أصحاب علي فصاحوا به يا أمير المؤمنين إنه بسر بن أرطاة لا يذهب، فقال ذروه وإن كان فعله ما يستحق، فركب جواده ورجع إلى معاوية فجعل معاوية يضحك منه ويقول له: لا عليك ولا تستحي فقال: نزلت بك ما نزل بعمرو، فصاح فتى من أهل الكوفة ويلكم يا أهل الشام أما تستحيون من كشف الأستاه، وأنشد بقوله:
ألا كل يوم فارس بعد فارس * له عورة تحت العجاجة بادية يكف حيا منها علي سنانه * ويضحك منها في الخلا معاوية بدت أمس من عمرو فقنع رأسه * وعورة بسر مثلها حذو حاذية فقولا لعمرو وابن أرطاة أبصرا * سبيلكما لا تلقيا الليث ثانية ولا تحمدا إلا الحيا وخصاكما * هما كانتا للنفس والله واقية فلولاهما لم تنجيا من سنانه * وتلك بما فيها عن العود كافية متى تلقيا الخيل المغيرة صيحة * وفيها علي فاتركا الخيل ناحية