في تلك الموارد، إما لأجل عدم دليل مساعد عليه، وإما لعدم الظفر به بعد الفحص عنه بالقدر اللازم من الفحص ومتابعة الجهود لا لقصر الباع أو قصور الاطلاع، ولذلك لا نرى للمجتهدين أي تردد أو توقف في الحكم الفعلي لأي مسألة من المسائل.
الأمر الثاني: انه لا إشكال أيضا في جواز العمل بهذا الاجتهاد لمن اتصف به في عمل نفسه، وأما رجوع غيره إليه فلا إشكال فيه أيضا على وجه يتطلب تفصيلا لا يحتمله هذا الكتاب. وعلى الاجمال: فرجوع غيره إليه بعيد عن المحاذير، وكما يرجع إليه في التقليد يرجع إليه في الأحكام وفصل الخصومات، وحكمه حجة عليه وعلى مقلديه، بل على غير مقلديه، بل وعلى المجتهد الآخر المعترف له بجامعيته لشرائط الحكومة من الاجتهاد والعدالة.
إذن، فهناك جهات عمل في نفسه:
[الأولى:] وهنا نقول: يجب على المجتهد المطلق العمل على ما يؤديه إليه اجتهاده ولا يجوز له - وهو على هذه الصفة - الرجوع إلى مجتهد آخر فاقه أو ساواه بلا كلام.
الجهة الثانية: كون فتواه حجة على مقلديه، وهذا أيضا لا إشكال فيه.
والجهة الثالثة: كون حكمه حجة عليه، وعلى مقلديه، وعلى غير مقلديه من مقلدي غيره، ومن المجتهدين الآخرين بالشرط السابق عليك.
فالفرق بين ناحية الافتاء وناحية الحكومة، هو أن ناحية الافتاء ناحية إبداء رأيه الشخصي المحصل له عن طريق القواعد والنصوص، فلا يكون حجة إلا عليه وعلى مقلديه خاصة، أما ناحية الحكومة فهي ناحية ظهوره بعنوان النيابة عن الإمام (عليه السلام) فكأنه ينطق بلسان الإمام وظاهر بمظهر المنصب الذي نصبه له الإمام، فالرد عليه رد على الإمام (عليه السلام) كما سيأتيك إن شاء الله في المستقبل القريب.