الله إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين) * (1).
ترى أن هذه الآية الكريمة ألمعت ببديع الإشارة، وأشارت ببليغ العبارة إلى حكمة هذا الحكم، وفلسفة هذا التشريع، وهو وجوب تجنب المقاربة للحيض في الوقاع.
ترى أولا وقبل كل شئ أن الآية الكريمة جعلت لفظة * (أذى) * خبرا عن الضمير الراجع إلى الحيض، فتراها قد جعلت الحيض نفس الأذى مبالغة في التشديد وإبلاغا للحكم بأبلغ تأكيد تنفر عنه الطبائع والنفوس، ثم تراها ثانيا أبهمت التعبير فلم تعين كيفية الإيذاء وكميته، ولم تعين أن ذلك الأذى هل هو القذر أم الضرر، ولم يتبين من ذا يكون متعلق ذلك الإيذاء أهو الزوج أم الزوجة أم الجنين المتكون من مقاربة الزوجين في الوقاع لتبين أن الكل في هذا الإيذاء على حد سواء فأبهمت للتعميم وأجملت ليكون من وراء هذا الاجمال تفاصيل وتفاصيل ستراها في العاجل القريب.
ثم هي الثالثة الأخرى من مزايا هذا التعبير الأنيق تعبيره سبحانه من قائل:
* (فاعتزلوا النساء في المحيض) * فعبر بالاسم الظاهر - وهو قوله: المحيض - ومن يجهل نكتة هذا التعبير الدقيق قد يخيل إليه جهلا أن الموقع في التعبير للضمير، كأن يقول عز من قائل: " ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء فيه " بدل أن يقول: * (فاعتزلوا النساء في المحيض) *. وهذا - إن وقع - فمبعثه الجهل بما وراء هذا التعبير من رمز أو رموز، ذلك أن الشريعة الإسلامية - وهي الوسط في الشرائع وتشريعها هو العدل والاعتدال - جمعت بين الحكمة والسهولة، فاتخذت طريقا وسطا لا أمت ولا عوج فيه، فلم تكن لتتزمت في هذه المسألة تزمت الإسرائيليين -