ينبغي أن يكون، فاسترسال الانسان إهمال الانسانية بمعناها الصحيح ومنحه الحرية المطلقة على نحو لا تقف عند حدود هو في الوقت نفسه جناية على الحرية في أبناء نوعه الآخرين، إن حرية الانسان المطلقة تخوله التحكم المقيت في مقدرات البلاد والعباد على غير هدوء ولا هوادة، إذن فلا شعور بمسؤولية، ولا نظرة ولا فكرة في حقوق، ولا رعاية لواجب، وهذا في حقيقته رجوع إلى البهيمية لا تمسك بحرية كما يتشدق بذلك من استجابوا للعاطفة فكانوا مجسمة عاطفة لا يتورعون ولا يرعوون، أليس الحرية المطلقة بحق واقعها وواقعها الحق إلا الفوضوية على وجه شنيع، وهل الفوضوية إلا الهلاك والدمار، لو كانوا يشعرون. إذن فكان لزاما ولا بد لإطلاق الحرية أن يقيد، ولعمومها أن يخصص، حذار أن تستعمل في غير ما وضعت له، وأن تستغل بسوء الاستعمال للموبقات والمهلكات، وتلك جريمة ما وراءها جريمة لو تدبر المتدبرون.
إن الانسان مزيج مركب من عقل وعاطفة، فلكل منها في سيره خط، ولكل منها في سيرته نصيب، فالحياة العقلية المحضة التي لم تمزج بمرونة العاطفة لا تطيقها الحياة، ولا تقوى على تحملها الأحياء باطراد، وأخيرا وبالختام يحدث التفلت المر والتهرب المشين، وهكذا هو الحال في الحياة العاطفية المحضة، فالاستجابة إلى العاطفة المحضة هروب بشع عن أحكام العقل وحكمه، وتمرد طاغ على الفضيلة النفسية التي بها يكون الانسان إنسانا بمفهومه الصميم، فالعاطفة الصميمة لا تجامع معنى الانسانية الصميمة في جميع الأحوال والشؤون، لهذا ولذاك ولكل ذلك نرى أن لا بد من موازنة بين العقل والعواطف، ولا بد من مزاج لطيف تتكون منه هذه الموازنة فيكون حينذاك العدل والاعتدال.
العاطفة الطاغية تريد من الانسان حرية مطلقة لا تقف عند حدود، وهو إن