التوفي بمعنى الموت، كما نراه في قوله تعالى: * (حتى يتوفاهن الموت) * (1) فأي ذوق سليم يسمح أن يحمل التوفي على الموت في هذه الآية؟ وأي معنى يكون في الآية إذا قلنا: حتى يمتهن الموت، ثم اعطف على ذلك قوله تعالى: * (الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى) * (2) فأي استقامة للآية تبقى لو قيل: إن معناها: الله يميت الأنفس حين موتها؟ وكيف يستقيم أن يقال: إن التي لم تمت يميتها في منامها؟
ونقول بتوضيح آخر: إنه يقال: إن جعلت التي لم تمت معطوفا على الأنفس لم تستطع أن تجعل " يتوفى " بمعنى " يميت " لما عرفت، وإن قلت: إن التوفي بالمنام إماتة مجازية لزم استعمال اللفظ في المعنى الحقيقي والمجازي في آن واحد، وهو باطل عند المحققين، وإن قدرت لفظ يتوفى ويكون " التي لم تمت " مفعولا لهذا اللفظ المحذوف المدلول بلفظ التوفي المذكور، قلنا لك: إن اللفظ إنما يدل على لفظ آخر إذا كان بمعناه.
وحيث ظهر لك أن المعنى مختلف، فلا دلالة هناك، فلا حذف هناك.
وهناك أراك قد تجلت لك حقيقة الحال، وتبين لك الوجه الصحيح، وأن الآية الكريمة في سياج متين، وقرار مكين من تطرق أوهام المتوهمين.
وقد وقع مثل هذا الاضطراب في آية أخرى هي قوله تعالى: * (فكان قاب قوسين أو أدنى) * (3) اتخذ المغرضون الأفاكون جهلهم بمواقع الاستعمالات العربية