انتهى كلامه علا مقامه.
أقول: إن العدول عن التعبير بالاسم المظهر في مقام يتطلب التعبير بالاسم المظهر - نظرا إلى أنه خلاف الأصل حسب الاستعمال الوارد في أساليب المحاورات وقوانين الاستعمالات المطردة في كلام العرب الذين جرى القرآن على مجاراة لغتهم الخاصة بما لها من تلك الأساليب والقوانين - يتطلب سببا مبررا يبرره هذا العدول، وما ذكره شيخنا طاب ثراه من التسجيل بالصراحة أحد الأسباب المبررة، وهذا فرع من أصل، وجزء من كل، وهو وحده ينبغي أن يجعل فنا من فنون القرآن الكريم له قيمته ومقامه يمكن أن يعبر عنه بتعبير اليوم وبمصطلح العصر الحديث ب: التصوير الفني والتخيل الحسي، ذلك أن القرآن الكريم نزل بشيرا ونذيرا على البشير النذير.
ومما لا يشك فيه أن التبشير والإنذار يتطلبان الهيمنة على النفس، وأهمية الوقع على السمع، فحيث يهيمنان بتوقيع أنغامهما على السمع يفتح لهما باب القلب فيدخلان بلا استئذان فيعملان في القلب عملهما المطلوب، من أجل ذلك ترى أن القرآن الكريم كثيرا ما يختار لفظة لها بدل أخف منها على السمع لكنه يختارها لأن المقام مقام الوعيد والترهيب ولتلك اللفظة أثرها في ذلك المقام ولا يقوم مقامها لفظ خفيف أو كلمة لينة في عالم التأثر، إننا نرى الرهبة والرعب يكاد يتمثل لنا بارزا للعيان، أو يتجسم لنا في مثال محسوس إذا قرأنا قوله تعالى * (فكبكبوا فيها هم والغاوون) * (1) ولا نرى بعضا من ذلك إذا عبرنا بدل كبكبوا: ادخلوا، أو زجوا، أو أوقعوا، أو غيرها من الكلمات، ولهذا في الكتاب الكريم نظائر تصلح أن تكون فنا مستقلا برأسه يكتب فيه الكتب والمؤلفات.