وحيثية الدلالة وهي المعنى المراد لتلك الكلمة.
وللكلام أيضا حيثيات تزيد على حيثية الكلمة من لحاظ هيئاته وحركاته الاعرابية، ومن المزايا التي تعرضه بلحاظ الجهات الخاصة، فإذا قلنا: القرآن عربي من جميع هذه الجهات، وحيث إن اللغة العربية لم تنحصر في أمة ولم تختص في قبيلة فلا يضر عربيته القرآن أن يأتي على لغة قوم دون آخرين، إنما يضر عربيته أن يجئ بشئ لا تعرفه أو لا تألفه العرب عامة، لذلك نرى أن النبي (صلى الله عليه وآله) لما أنكرت عليه بعض زعانفة العرب ألفاظا من القرآن عدوها غريبة هي أربعة ألفاظ: " كبارا "، في قوله تعالى: * (ومكروا مكرا كبارا) * (1)، و " عجاب "، في قوله تعالى: * (إن هذا لشئ عجاب) * (2)، و " هزوا "، في قوله تعالى: * (أتتخذنا هزوا) * (3)، و " قسورة "، في قوله تعالى: * (حمر مستنفرة فرت من قسورة) * (4) جاءهم بشيخ من الأعراب فأقعده في مكان، ثم أقامه منه، ثم أقعده في آخر، ثم أقامه منه، فعل به ذلك غير مرة، فكان الشيخ تغيظ فخاطب النبي (صلى الله عليه وآله) فقال له: " يا بن القسورة أتتخذني هزوا وأنا رجل كبار إن هذا لشئ عجاب! ".
ومهما يكن من أمر فإنه قد خفيت أشياء على بعض أدعياء العربية فاتخذوها - جهلا وضلالا - ذريعة للوقيعة في كرامة القرآن، وظنوا خطأ وخبطا أنهم ظفروا بتمرة الغراب، ولم يفهموا أن القرآن الكريم محاط بسياج من نور فلا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأنه تنزيل اللطيف الخبير، ويا ليت أن الأمر وقف عند حد