المغرضين المبغضين، بل سرى شئ من هذا الداء فأصاب ألباب بعض المؤمنين المحبين، فما كان إلا أن يلجأوا إلى ضروب من التأويل فاسدة جهلا بحقيقة الحال.
فمن ذلك: ما وقع فيه الاضطراب والارتباك من قوله تعالى: * (يا عيسى إني متوفيك) * (1) ففسره الجاهلون أن معنى * (متوفيك) * مميتك، فالمغرضون حاولوا الوقيعة في كرامة القرآن الكريم في أن القرآن الكريم - وحاشاه - متناقض في الكلام، فهو تارة يحكم على عيسى (عليه السلام) بالموت كما في هذه الآية، وأخرى يحكم عليه بأنه لم يمت كما في قوله تعالى: * (وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم) * (2) والمؤمنون - الذين خفيت عليهم حقيقة الحال - اضطروا إلى التأويل، فمنهم من أول قوله تعالى: * (متوفيك) * بمعنى مميتك بعد النزول من السماء، ومنهم من أوله بأن معناه مميتك حتف أنفك، وكلا التأويلين فاسد.
أما الأول: فإنه يناقض قوله تعالى: * (وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم) * (3) فإنه لا يصح بوجه تفسير هذه الآية بأن الوفاة بعد النزول من السماء.
وأما الثاني: فأي شاهد من استعمال اللغة في منظوم أو منثور يخصص كون التوفي هو الإماتة حتف الأنف خاصة، وما هذا إلا تحكم بغير دليل، وحكم من غير