بالجملة فهو عالم الأوان ومصنفه، ومقرط البيان ومشنفه بتآليف كأنها الخرائد وتصانيف أبهى من القلائد، وضعها في فنون مختلفة وأنواع، وأقطعها ما شاء من الاتقان والإبداع، وسلك فيها مسلك المدققين، وهجر طريق المتشدقين، إن نطق رأيت البيان منسربا من لسانه، وإن أحسن رأيت الإحسان منسبا إلى إحسانه.
جدد شعائر السنن الحنيفية بعد أخلاقها، وأصلح للأمة ما فسد من أخلاقها، وبه اقتدى من رام تحصيل الفضائل، واهتدى بهداه من تحلى بالوصف الكامل عمر مساجد الله وأشاد بنيانها، ورتب وظائف الطاعات فيها وعظم شأنها، كم أمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وكم أرشد من صلى وصام وحج واعتمر.
كان لأبواب الخيرات مفتاحا، وفي ظلمة عمى الأمة مصباحا، منه تعلم الكرم كل كريم، وبه استشفى من الجهالة كل سقيم، واقتفى أثره في الاستقامة كل مستقيم لم تأخذه في الله لومة لائم، ولم يثن عزمه عن المجاهدة في تحصيل العلوم الصوارم أخلص لله أعماله فأثرت في القلوب أقواله.
أعز ما صرف همته خدمة العلم وأهله، فحاز الحظ الوافر لما توجه إليه بكله.
ولقد كان مع علو رتبته وسمو منزلته على غاية من التواضع ولين الجانب، ويبذل جهده مع كل وارد في تحصيل ما يبتغيه من المطالب، إذا اجتمع بالأصحاب عد نفسه كواحد منهم، ولم تمل نفسه إلى التميز بشئ عنهم، حتى أنه كان يتعرض إلى ما يقتضيه الحال من الأشغال من غير نظر إلى حال من الأحوال، ولا ارتقاب لمن يباشر عنه ما يحتاج إليه من الأعمال.
ولقد شاهدت منه سنة ورودي إلى خدمته أنه كان ينقل الحطب على حمار في الليل لعياله ويصلي الصبح في المسجد، ويشتغل بالتدريس بقية نهاره،